الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
لم يكن ليني هنري قد تجاوز التّاسعة من عمره عندما تعرّض كيسلو كوشران للطعن. إذ نشأ الممثل الكوميدي وترعرع وسط ثقافة العنصرية التّافهة التي أرخت بظلالها على مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وروّجت بشكلٍ محبط لإهانات على شاكلة “ساذج” وزنجي”. آنذاك، كان من السّهل على المالكين وأصحاب الأراضي وضع لافتة كُتب عليها “ممنوع دخول السّود والإيرلنديين والكلاب” من دون التعرض إلى عقاب. “كان هناك احتمال كبير بأن تتعرّض للاغتصاب لو كنت كلب ولفهوند إيرلندي أسود اللون”، يقول هنري ممازحاً (ومستشهداً بكل أمانة بعبارة لكيم فولر).
انطلاقاً من ذلك، يُمكن القول إنّ مذكرات هنري التي تسترجع شريط حياته وتُعيدنا إلى العام 1980، تأملية وكئيبة بامتياز. إذ يتحدّث فيها هنري عن الفنان الكوميدي صاحب البشرة السوداء، تشارلي وليامز وكيف كان يُنكّت على نفسه، متعمّداً “أن يكون السبّاق دوماً في إطلاق أفظع النكات العنصرية” كي يبقى على قيد الحياة. وكذلك يُوضّح في مذكراته أسلوب الفكاهة الذي تسلّح به في مواجهة الأحكام المسبقة، ما خلا الشجار الذي دار بينه وبين متدرّب زميل في مجال اللحام إثر نعته له بـ”الـ***ي الأسود”.
وفي سياقها أيضاً، يعترف هنري أنه “دفن رأسه في الرمال” متغاضيّاً عن العنصرية، حينما ظهر في برنامج “عرض منستريل للسود والبيض(The Black and White Minstrel Show) على مدى خمس سنوات. و”كذلك تفعل حاضراً قناة “بي بي سي” بتناسيها ضلوعها في البرنامج الذي تبيّن في نهاية المطاف أنه مصدر إحراج”. للأسف، لم تُساعده شخصيته العامة القريبة من الناس في الإفلات من نيران الإساءة. وبعد نشر صور المنزل الذي يعيش فيه مع زوجته داون فرينش في إحدى صحف الفضائح، رُسم رمز عنصري NF (الحرفين الأولين من اسم “الجبهة الوطنية”) على الباب الأمامي لمنزله بالبراز. وعند تفكيره في التّبعات المستمرّة لفضيحة “ويندروش” والمعاملة التي قُوبل بها ضحايا “برج غرينفيل”، يأسف هنري ويتمنّى “لو أنني بذلت جهداً أكبر لمكافحة العنصرية والتمييز”.
ومع هذا كلّه، يغفل هنري التطرّق إلى بعض المواضيع المهمة. من المفهوم جداً أن يُعرب عن تقديره الكبير لبيل كوسبي في ستينيات القرن العشرين، والأرجح أنّه شعور مشترك بين الكوميديين الصاعدين في تلك الحقبة. في المقابل، من غير المفهوم، بل من المستغرب، ألا يُبدِ رأياً أو تعليقاً إزاء الوقائع الدنيئة التي تكشفت في ما بعد عن أحد أبطاله في الحياة.
ومن ناحية اخرى، تتمحوّر الجوانب الأكثر تسلية للكتاب الذي يتضمّن مقاطع مصوّرة من تنفيذ مارك بكنغهام، حول ذكريات هنري المؤثّرة عن نشأته والألفاظ الشديدة التي اعتاد سماعها في صغره، بما في ذلك التعبير التالي: “أيّ هراءٍ هذا؟”. وصحيح أنّ هنري نشأ في “دودلي” في “ويست ميدلاندس”، لكنه “كان في جميع المقاصد والأغراض طفلاً صغيراً من منطقة الكاريبي”، وربما الطفل الوحيد القادر على تقليد سكوبيدو بالجامايكي.
إلى ذلك، يكتب هنري بإسهاب عن لحظة اكتشافه أنّ والده وينستون (الذي يترك أظافره تنمو وتطول كالسّاحر كاتويزل) ليس والده البيولوجي، مخصصاً الأجزاء القاتمة من كتابه إلى أمّه ويني التي كانت تتمتع “بيدين قويتين” وكانت مربية “عنيفة”. “اعتدتُ على الضّرب منذ الصغر… صفعتني أمي ذات مرة بمقلاة”، بحسب هنري. يبدو أنّ الكوميديا التّهريجيّة لا تكون دائماً مضحكة.
المصدر: independentarabia
This post is also available in: English (الإنجليزية)