الوصف
فى رواية «نسيت كلمة السر» للكاتب الدكتور حسن كمال، نتعرف على التاريخ الشخصى لعمر الخياط، المصرى بطل العالم فى رياضة التايكوندو، والذى يصر حسن كمال على أنه ليس عمرو خيرى بطل التايكوندو الشهير الذى حاز على الميدالية الذهبية فى كأس العالم للتايكوندو فى الولايات المتحدة عام 1986، ولكنه فى نفس الوقت يهدى إليه روايته، ويبدو متأثرًا للغاية بتجربته ومشواره فى عالم الرياضة من الممارسة إلى المرض ثم الإصابة بمرض «MS» أو التصلُّب المنتشر.
بالتأكيد كان لعمرو خيرى وجود كبير فى الرواية، فالخطوط الرئيسية كلها تتشابك مع قصة حياته التى نعرفها كواحد من أبطال مصر الرياضيين، والتى كانت لحظة تتويجه فى الثمانينيات تثير فى القلب من السعادة نفس ما يثيره اليوم نجاحات محمد صلاح المتتالية، أو وصول المنتخب إلى كأس العالم، وعلى الرغم من أن الكثيرين ربما يسمعون عن اسمه للمرة الأولى فى هذه الرواية، إنهم بالتأكيد لن ينسوه، أو على الأقل لن ينسوا عمر الخياط، البطل الذى عاش من أجل هدف واحد، أن يقف على هذه المنصة التى لا تضم سوى ثلاثة، رأسه هو الأعلى، العيون كلها معلقة به، الألسنة جميعها تردد اسمه حتى تذكره للأبد، ينظر إلى السماء ويصرخ صرخة طويلة، صرخة الخلاص.
«الرياضة تاريخ، والتاريخ يصدق حتمًا فى ذكر النتائج، رغم أنه قد يكذب فى التفاصيل».
الحائط الذى يجمع العالم كله اليوم، هو ما يتبقى لعمر بعد مرضه، «فيسبوك» الذى يمنحه الشعور بالانتماء إلى العالم، ينقله له مساعده المخلص على حائط الغرفة الكبير أمامه، لعدم قدرته على النظر فى شاشة الكمبيوتر بسبب المرض، وإن كانت الرواية تسرد لنا قصة بطل حقيقى فى عالم الرياضة، فهى أيضًا تعترف بوجود بطل آخر لهذا العصر، «فيسبوك» بطلنا الحالى والدائم، بطل بالمعنى الفعلى السينمائى الشهير، يحتل هذا البطل الساحة والحياة بشكل لا يمكننا الاستغناء عنه، فى الحقيقة الحائط هو ما يجعل عمر قادرًا على المواصلة، يبدل له مساعده بدوى الأيقونات، يضيف صور الأصدقاء، يكتب الحالة، يعيد استعراض الذكريات، يستعيد لحظات الندم والفخر والحزن والسعادة، يخصص لرسائل عمر الورقية التى يحتفظ بها جزءًا خاصًّا على الحائط يسميه الـ«Inbox».
هذا الحساب أو الحائط هو الانعكاس الذى يضعه عمر أمام عينيه، مثقلًا بالتواريخ والذكريات والأحداث، مزدحمًا بالصور التى تنتشر فجأة، وتختفى فجأة.
«حياة كل منا حساب أزرق كبير كالذى أصبح محور حياتى وحياة الكثيرين، نتسلمه فارغًا من كل شىء عدا الأسرة، ثم نضيف إليه».
ربما يصنف البعض هذه الرواية على أنها رواية تستعرض حياة بطل رياضى وصعوده إلى القمة ثم استسلامه المَشوب ببعض التحدى للمرض، لكنها فى الواقع ليست كذلك، إنها رواية عن صعود وطن بأكمله، وصوله إلى القمة، ثم استسلامه للمرض، استسلام ربما ينتابه بعض لحظات من التحديات الصغيرة، لكنه يظل استسلامًا إجباريًّا.
وفى هذه الرحلة نرى هؤلاء الذين يقفون حول الوطن/ عمر، ريم التى تحبه حبًّا غير مشروط، هى مستعدة لمنحه كل ما يشاء، لكنها تستسلم أمام ابتعاده، وتكتفى بمتابعته فى صمت، فى الاستمرار فى حبه دون فعل، ريم هى كثيرون من أبناء هذا الوطن الذين يتابعون ما يحدث بمرارة وحدهم يذوقونها فى حلوقهم، لا يتذمرون ولا يندهشون، يشعرون أحيانًا أنه يستحق، لكنهم لا يملكون إلا أن يخافوا عليه، ويحاولون حمايته.
أما فريدة، ففيها رأيت هؤلاء الملايين الذين هبوا للدفاع عن وطنهم فى لحظة واحدة، على الرغم من أنهم عاشوا عمرهم كله ينكرون حبه، ويكتفون بوجودهم فيه إلى جانبه، فريدة هى هؤلاء الذين دفعوا لحظات لا تعوّض من أعمارهم بلا تفكير بعد أن تدفق هذا الحب وكأنه كان ينتظر الدفعة اللازمة، لكنهم بعد كل هذا لم يحصلوا سوى على ندبة عميقة فى القلب/ على الوجه، دفعتهم من جديد إلى الهروب.
بدوى، الشاب المصرى البسيط الذى ينزل إلى ثورة بلاده متحمسًا فيختفى بلا أثر، إنه هؤلاء العابرون الذين تجمعوا لا يعرفهم أحد، يحلمون بمستقبل أكبر، فيشفق عليهم القدر من أن يروا لحظة خذلانهم، أحب تخيلهم وكأنهم ينتقلون إلى مكان أفضل بعد آخر تحدث فيه الأمور بشكل مختلف، بشكل يناسبهم، ويحقق لهم ما يحلمون به.
مصطفى القماح، رفيق الحياة والعيش، الذى يملك رؤية مختلفة لحب الوطن، قد نختلف معها، لكننا لا يمكن أن نكذبها، أو نقلل من إيمانه الشخصى بها.
ريهام، التى تبدو كأنها مستقبل عمر/ الوطن الأنسب، العنصر القوى الجذاب، الواجهة المثالية، تحبه بالتأكيد، لكنها تحب نفسها أكثر، تقف إلى جواره، لكنها لا تملك هذه القدرة على المعافرة إلى النهاية مثل عمر، لا نعرف لماذا يضحى الوطن بمَن يحبونه فعلًا، ريم وفريدة أراهما فى وفى أصدقائى وفى عشرات الآخرين منا، كنا على استعداد لبذل كل شىء من أجل الوطن/ عمر، لكنه كان مزهوًّا بنصر سريع وأراد تجربة الأجمل ولو شكلًا، الأقوى ولو روحًا.
الشخصيات كلها، ولو فرعية، تبدو كأنها مجدولة بعناية فى سلسلة طويلة من الأحداث المتداخلة المتقاطعة.. كيم، البطل العالمى الذى يساند عمر فقط لأنه وجد فيه هذا الشغف الذى يعرف من خلاله أن مَن أمامه صادق حقًّا، السعداوية، سعيد، شعبان، عصام، خالد فاروق، البوس، اللواء منصور، عزة.
يصادف عمر كثيرين فى رحلته للوصول إلى النصر، البعض منهم يقف فى وجهه، البعض الآخر يدفعه إلى الأمام، يستغله البعض، ويعشقه البعض الآخر، يستهلك حياته بسرعة من كثرة التفاصيل، يخذله جسده فينتهى به الأمر وحيدًا عاجزًا عن الحركة، لكن تبقى كلمة سره رغم كل هذا هى «Championforever» (الموت فصل حتمى، صافرة تعلن نهاية الوقت، لكنها لا تعنى أبدًا نهاية الحكاية، فالبطولات لا تُدفن مع أصحابها، بل تظل حية تُحكى إلى الأبد!).
(نقلا عن جريدة المقال)