نهاية أوروبا.. الاتحاد وتحدي «البريكسيت»

عنوان الكتاب نهاية أوروبا.. الاتحاد وتحدي «البريكسيت»
المؤلف Olivier Lacoste
الناشر  eyrolles
البلد فرنسا
تاريخ النشر أغسطس 2016
عدد الصفحات 207

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

لماذا يتعين المضي قدماً، على رغم كل العقبات والعراقيل، في استكمال المشروع الاتحادي الأوروبي، والسير به خطوات أخرى إلى الأمام؟ وما هي آفاق وأهداف هذا المشروع أصلاً؟ وفي ضوء الانسحاب البريطاني «البريكسيت»، هل بات حديث اللحظة الآن هو النهاية المحتومة للحلم الأوروبي برمته، أم أن هذه الكبوة يمكن أن تكون دافعاً لإعادة تأسيس جديدة على أسس أصلب وأشد رسوخاً؟ وكيف يمكن تعريف وتوصيف النهاية والغاية من الاتحاد من الأساس؟ وبعد أن اختار البريطانيون، أو أغلبيتهم الناخبة، الخروج بدل البقاء، فما الذي في مقدور الاتحاد، وخاصة الدول المحورية فيه، فعله في المستقبل لإعادة تعويم الحلم الأوروبي من جديد، وتسويقه بطريقة فعالة لشعوب القارة التي بدأت شرائح واسعة منها تستبطن نوعاً من الشك، أو على الأقل عدم اليقين تجاه المسيرة الاتحادية القارية الطموحة؟

هذه أسئلة ضمن أخرى كثيرة يثيرها كتاب المؤلف والأكاديمي الفرنسي أوليفييه لاكوست الذي سيصدر قريباً -وتتوافر الآن منه مقتطفات- وعنوانه: «نهاية أوروبا.. الاتحاد وتحدي البريكسيت»، وهو كتاب يأتي الآن في وقته تماماً، ويزيد من قيمته أن المشروع الأوروبي يواجه اليوم بالفعل أسئلة حول مستقبل المسار والمصير بشكل جذري وقلق لم يعرف له مثيلاً طيلة العقود الستة الماضية. ومن هنا فإن تصدي كاتب وأكاديمي متمرس لتحليل خلفيات هذا الواقع الصعب يبدو ضرورياً ومطلوباً في اللحظة الراهنة.
وفي البداية يقول الكاتب إن تصويت أغلبية البريطانيين ضد البقاء في الاتحاد ليس هو أول مؤشر على وجود تململ وعدم رضا شعبي عن مسيرة الاتحاد الأوروبي، فقد سجلت أيضاً مؤشرات سابقة على ذلك وخاصة عندما رفضت أغلبية الفرنسيين والهولنديين مشروع الدستور في 2005، وكذلك صوّت ضد روح المشروع الأوروبي كل من الإيرلنديين في 2008، واليونانيين في 2015 والبريطانيين في 2016، وكل هذا يدل على وجود حالة استياء واسعة في صفوف قطاعات كبيرة من شعوب القارة تجاه البيروقراطية الأوروبية وتدخلها في مجالات حيوية كانت حتى الأمس القريب تعتبر من ضمن صلاحيات الدول الوطنية، هذا فضلاً عن وجود تيارات سياسية يمينية انعزالية ترفع لافتات سيادية في أكثر من بلد أوروبي أيضاً.

وهذا يعني أن «البريكسيت» قد يكون هو صافرة الإنذار الأخطر التي انطلقت حتى الآن للفت انتباه الزعامات الأوروبية إلى ضرورة إيلاء آراء واهتمامات شعوب القارة قدراً كافياً من الاهتمام، ومن ثم العمل على ضخ جرعة أكبر من الديمقراطية في قرارات وممارسات البيروقراطية المتنفذة في تسيير شؤون الاتحاد من بروكسل.
والآن بعد انسحاب المملكة المتحدة، التي تعتبر أحد أقوى الاقتصادات الأوروبية، كما أنها عادة كانت تتصدر أيضاً القوى الداعمة، بل المروجة للنزعة الليبرالية وللانفتاح على الأسواق، كيف سيكون في مقدور أوروبا العمل من أجل تحقيق المزيد من التكامل الاقتصادي، والمنافسة بقوة والنفاذ إلى الأسواق الدولية، في ظل شدة المنافسة من طرف الاقتصادات الدولية الكبرى الأخرى، وأيضاً مع زيادة حجم نصيب الاقتصادات الصاعدة والدول البازغة في كعكة التجارة العالمية؟ لاشك أن سؤالاً كهذا يؤرق صانع القرار في الدول الأوروبية المحورية، وخاصة أن عليها الاستمرار كرافعة لاتحاد أوروبي يجر وراءه عدداً غير قليل من الدول المتعثرة اقتصادياً، أو المهددة الآن بالتعثر بشكل مثير للقلق.
ومن أجل مزيد من الفهم يعود المؤلف بقارئه إلى الأسس الصلبة والدافعة أصلاً لبناء المشروع الأوروبي، حتى لو كان بعض تلك الأسس لم يتحقق إلى الآن، أو أدى في بعض تجلياته ومحاولات ترجمته على أرض الواقع إلى آثار عكسية غير مرغوبة. ومهما قيل عن الاتحاد الأوروبي اليوم من أوجه نقد أو مظاهر إخفاق، فلا أحد يستطيع الزعم أنه لم يحقق بعضاً من أكثر الأهداف أهمية وحيوية بالنسبة لشعوب القارة، حيث كان مُنجزه الأول ترسيخ ثقافة التعاون والتعايش والسلام بين شعوب قارة اكتوت بالحربين العالميتين، هذا فضلاً عن إنجازات هائلة أخرى كثيرة ليس أقلها العملة الموحدة «اليورو»، وحرية تنقل الأشخاص والبضائع، وانفتاح الأسواق ووضع آليات منسقة لتقديم المساعدة الاقتصادية والتسييرية بين الدول الغنية والدول الأقل غنى في القارة.
لقد ذهب كثير من المؤلفين والخبراء الاقتصاديين والقانونيين والسياسيين إلى أن مشكلات المشروع الأوروبي البنيوية، وعثراته المزمنة، وخاصة الأخيرة منها، يمكن أن تكون دافعاً لتصحيح أوجه الاختلال بما يسمح له بالاستمرار بوتيرة أقوى ولكن أكثر حنكة وحكمة في خطواتها، من قبيل عدم التفكير في التوسيع لعضوية الاتحاد، وتخفيف قبضة وتدخلات البيروقراطية في بعض الأمور الوطنية، أو بكلمة أخرى إعادة تنظيم اختصاصات الدول الوطنية، والمؤسسات الاتحادية القارية، وبناؤها على أسس أكثر شعبية وديمقراطية مما كان قائماً حتى الآن. ولا يشذ المؤلف «لاكوست» عن هذا التوجه العام، وإن كان يفعل ذلك مع إبداء أوجه الضعف في أداء الاتحاد الأوروبي، مع تذكير بمنطلقاتها التي كان يراد من ورائها تحقيق غايات إيجابية، وهو ما يعني بالنتيجة أن الخطأ، إن وجد، كان في التنفيذ وآليات التطبيق، ولم يكن في الهدف التكاملي في حد ذاته كفكرة وكمطمح سعى إليه الآباء المؤسسون للمشروع الأوروبي.
وينبّه الكاتب خلال عمله إلى ضرورة التمييز بين المسارين السياسي والاقتصادي للاتحاد، لأن مستوى الأداء متفاوت في كل منهما، كما أن مكاسب الاقتصاد تتأثر أحياناً، سلباً أو إيجاباً، بأعبائها وتجاذباتها بين دول القارة، وأيضاً تأثراً بتعقيدات المشهد الداخلي لكل دولة على حدة، ولعل الاستقطاب الواسع الذي شارف حدود الصدع والشرخ العميق الذي عرفته المملكة المتحدة خلال حملة استفتاء «البريكسيت» يعد دليلاً واضحاً على أن الجوانب السياسية من المشروع الاتحادي هي الأصعب، وهي الأصعب خاصة على الترويض والتوفيق، في كل الأحوال. بل إن الكاتب يقول إنه على رغم تكريس السياسة الاقتصادية المشتركة، ووضع الأسس التشريعية ممثلة في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، إلا أن بعض أوجه الاتحاد السياسي ظلت في كثير من الأحيان محدودة الدور والحضور، هذا إن لم تكن صورية وكاريكاتورية من الأساس.
وكذلك واجهت السياسة الاقتصادية افتراق مواقف أيضاً بين الدول الأعضاء في بعض الأحيان، كل حسب مصلحته الوطنية، هذا فضلاً عن عدم شعبية بعض قرارات البيروقراطية الاقتصادية في بروكسل. بل إن السمة العامة لسياسة الاتحاد الاقتصادية هي سيادة نوع من المحافظة والتردد تجاه ضخ جرعة أقوى من الليبرالية الاقتصادية، التي هي بمثابة وصفة منافسة في الأسواق العولمية الدولية.

بل إن روح دولة الرعاية والرفاه، واتساع حضور التيارات المحافظة والاشتراكية الاجتماعية في العديد من دول القارة هو الذي جعل النظرة إلى ما يسمى الليبرالية العولمية المتوحشة تكتسي قدراً غير قليل من الحذر والتردد. وهذه الجزئية الأخيرة مهمة للغاية إن تذكرنا دور النزعات الحمائية والانعزالية في تغليب كفة دعاة الخروج البريطاني على حساب دعاة البقاء ضمن المشروع الأوروبي ومن ثم تحمل تبعات استمرار الانفتاح على أسواق وشعوب أوروبا القارية، ومن ورائها العالم أجمع.
وفي الجزء الثالث من الكتاب يتحدث المؤلف عن موضوع اللحظة الأهم اليوم وهو السؤال: إلى أين من هنا؟ ونعني سؤال مستقبل الاتحاد من دون بريطانيا؟ لا يتركنا المؤلف هنا ظمأى للإجابة حيث يفصل في قراءة ما يمكن أن يكون عليه مستقبل الاتحاد، وكذلك أيضاً في وضع الوصفات التي تضمن تحويل «البريكسيت» إلى فرصة لضمان انطلاق أوروبا إلى الأمام لكسب كافة رهانات المستقبل، وأيضاً للتخلص من بعض نقاط ضعفها الراهنة، وأول ذلك تخفيف وطأة الأورثوذكسية المالية وتطوير آليات أكثر فاعلية في احتواء سلبيات سياسات التقشف وديكتاتورية الأسواق، وتطوير آليات اتخاذ القرار وكبح جموح البيروقراطية الأوروبية، وجعلها تتحرك في حدود أسس وقيم الديمقراطية، في نهاية المطاف.
حسن ولد المختار / جريدة الاتحاد الاماراتية

https://old.booksplatform.net/ar/product/young-palestinians-speak/

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP