الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
ما عادت الدساتير الديمقراطية تلائم العصر الحديث، وما عادت تساعد الحكومات التي تواجه أزمات عصرية حادة، منها عزوف الناخبين والمواطنين عن دعم السلطات ورجالها، ولا عادت توفر حماية للمواطن نفسه في وجه السلطات التي تدير شؤون البلاد، أيًا كان نوعها.
حياة وفعالية
لمواجهة هذا الوضع وتغييره بشكل جذري، يشرح فرانك فايبرت المشاكل التي تواجه الحكومات والسياسيين وأبعادها المختلفة ويعرض توصيات من شأنها منح الدساتير الموجودة حياة جديدة وفعالية أكبر كما جاء في أحدث كتبه “وضع دستور يلائم القرن الحادي والعشرين: اللعب العادل في الديمقراطيات الحديثة” Making a 21st Century Constitution: Playing Fair in Modern Democracies.
فايبرت خبير سياسي وأستاذ زائر في عدد من الجامعات المهمة، والمدير المؤسس لمنتدى السياسة الأوروبية. كان أحد كبار المستشارين المعتمدين لدى البنك الدولي، ونشر عددًا من الكتب التي ركزت على الديمقراطية والتحديات التي تواجهها في عصرنا الحديث، لا سيما في دول الإتحاد الأوروبي، ومنها “الديمقراطية والإنشقاق عنها: تحديات فرض حكم القانون الدولي”، و”أوروبا بسيطة وأوروبا قوية: مستقبل الحوكمة الأوروبية”، و”صعود اللامنتخبين: الديمقراطية والفصل الجديد بين السلطات”.
قديمة وبالية
يحلل الكاتب أوضاع الدساتير التي تعتمدها الدول الديمقراطية حاليًا، ويرى أنها أصبحت قديمة وبالية وهو ما يعتبره نقاط ضعف تؤثر في الديمقراطية بشكل عام. من جانب آخر، نلاحظ أن العديد من دول العالم تشهد أحداثًا وتطورات تطرح أسئلة كثيرة عن متانة الأطر الدستورية الحالية.
يكفي هنا النظر إلى مسألة بركسيت والمفاوضات المعقدة الجارية بشأنها بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لنكتشف ما يوجد من ضعف كبير في الأطر الدستورية الخاصة بالاتحاد، بحسب رأي الكاتب.
على صعيد البلدان نفسها، تدور صراعات دستورية عميقة في دول مثل بولندا ورومانيا وهنغاريا وتشيلي والبرازيل وتايلاند وميانمار على سبيل المثال لا الحصر، حيث تفرض الأطر الدستورية نوعًا من القيود على السياسة الديمقراطية الحديثة، ما يخلق توترات عميقة ويعرقل مسار التطور.
دور غامض
يشير الكاتب إلى أن دور الدساتير ليس واضحًا تمامًا، خلافًا لما يعتقد بعضهم. ويتألف الدستور في العادة من مجموعة قوانين وضوابط وأحكام مدونة، تساعد على تنظيم إدارة بلد ما وحكمه، كما يحدد العلاقة بين السلطات الثلاث أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
يتضمن الدستور أيضًا تعليمات بشأن السلطة السياسية والكيفية التي تمارس بها. يشير الكاتب في المقدمة إلى ضرورة إدخال التغييرات على الدور الذي يؤديه الدستور، بشكل يساعد في التركيز على كيفية التعامل مع تنوع مجتمعي أوسع وأكبر، مع ضمان نوع من الإنصاف الاجتماعي. هناك أيضًا حاجة إلى تحديث الدساتير لتنظيم العلاقة بين لاعبين مهمين آخرين، ومنحهم شرعية أكبر.
ما يريد الكاتب قوله في الكتاب هو أن الأطر الدستورية الحالية في أوروبا الاتحادية تحتاج إلى إعادة نظر جذرية، لخلق أطر أكثر حداثة تواكب التغيرات التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين، بعدما انكشفت أزمات من أنواع مختلفة، بعضها غير مسبوق.
سجينة التاريخ
يخصص الكاتب الجزء الأول من مؤلفه للأسباب والحقائق التي تجعل من الدساتير الحالية قديمة وغير نافعة، وهو ما يحولها إلى نصوص شبه ميتة ومهمشة. يصف ذلك بالقول إن “الطريقة التي ننظر بها إلى الدستور ما زالت تعتمد على نماذج من الماضي. فدساتيرنا الحالية سجينة التاريخ”. يشرح تأثيرات هذه الحالة السلبية على مسار الديمقراطية، حيث تضيع المعايير المرجوة الخاصة بتحديد سلوك السياسيين الذين يتم انتخابهم.
يُلاحظ هنا أن قدم الدساتير يسهم في منح المسؤولين المنتخبين هامشًا سلوكيًا أوسع مما يجب، ما يثير حفيظة الناخبين بشكل عام، ويعمق الهوة بين الناخب والسلطة.
يكرس الكاتب الجزأين الثاني والثالث للوسائل المتاحة لحل هذه الإشكالية، ومواجهة هذه التحديات، ويحدد خمسة مجالات تحتاج فيها الدساتير إلى تطوير ملح، ثم يقترح سبلًا لتحقيق ذلك، ويقدم تحليلًا مقنعًا لمختلف هذه الوسائل ومدى جدواها في تفعيل الدساتير وتحديثها، ومنها وضع ضوابط أكثر شدة لقدرة المسؤولين في قمة هرم السلطة على اتخاذ قرارات سياسية مهمة.
يؤكد الكاتب ضرورة تنفيذ هذه الخطوة بسبب الاستياء المتزايد الذي يشعر به الناخبون في دول ديمقراطية عديدة حاليا وهو ما يدفعهم إلى دعم أحزاب بديلة والتصويت ضد كل ما يدخل في إطار السياسات التي أصبحت تقليدية الآن.
يشرح الكاتب في فصول لاحقة نقاط ضعف نماذج الهرم السياسي الحالية، ويعرض تفاصيل توضح مدى قدم الضوابط المعتمدة، ويعرج على دور السوق والاقتصاد في عملية اتخاذ القرارات السياسية، مع التركيز على ضرورة تحسين العلاقات المقطوعة بين الناخبين والسلطات الحالية بشكل عام. كما يرى أن أفضل طريقة لتحسين العلاقات بين قمة الهرم والقاعدة هو استخدام الاستفتاءات الشعبية بتكرار أكبر باعتبارها طريقة تسمح للناخبين بالتعبير عن آرائهم بشكل أفضل وأكثر اتساعًا.
يدعو الكاتب أيضًا إلى ضرورة إدخال تحديثات توفر حماية أكبر للأقليات، القديمة منها أو التي تلك التي نشأت حديثًا، والتي لا تجد أي إشارة لها في الدساتير القديمة بسبب اختلاف الزمان والأفكار والتقاليد والأعراف الاجتماعية بشكل عام.
(إيلاف)
This post is also available in: English (الإنجليزية)