الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
في عام 2001، أي عندما كان في الثلاثين من عمره، وصل الاسكتلنديّ شون بيثل Shaun Bythell إلى قناعةٍ بأن شخصاً مزاجياً مثله لن يجد مكاناً مقنعاً له في سوق العمل. ولأنه يحلم منذ طفولته بالعمل في عالم الكتب، فقد جمع ما يملكه من مال ليشتري مكتبةً لبيع الكتب المستعملة في بلدته ويغ تاون، الواقعة جنوب اسكتلندا. بلدةٌ صغيرة بعدد السكّان (حوالي 1000)، لكنّها أشهر مكان ارتبط اسمُه بالكتاب في اسكتلندا، بفضل مكتباتها العديدة والزوّار الكثيرين الذين يرتادونها من بلدات ومدن أُخرى.
ستتحوّل المكتبة، مع الوقت، إلى “الأكبر في اسكتلندا”، كما هو مكتوبٌ على واجهتها، حيث يقول بيثل، في تصريحات صحافية، إن على رفوفها وفي مخازنها أكثر من 100 ألف كتاب، يُباع منها سنوياً نحو 20 ألف كتاب. كما تحوّل بيثل نفسه إلى أحد أشهر بائعي الكتب في بلاده، وحتى خارجها، ولا سيّما منذ دخوله عالم التأليف، عام 2017، بكتابه “يوميات بائع كتب”.
دخل كتاب “يوميات بائع كتب” قوائم الأفضل مبيعاً في العديد من البلدان الناطقة بالإنجليزية، وصدرت ترجمته العربية عام 2019 لدى دار “المدى”، بتوقيع عباس المفرجي. وها هي الدار تعود بعنوان آخَر من كتب بيثل: “اعترافات بائع كتب Confessions of a Bookseller ، الذي صدر حديثاً بترجمة أحمد الزبيدي.
رغم إحالته إلى نوعٍ أدبيّ معروف في الكتابة الغربية ــ الاعترافات ــ إلّا أن المؤلّف يحافظ، في عمله هذا، على صيغة اليوميات، حيث يبدأ “اعترافات بائع كتب” من حيث توقفت اليوميات تقريباً، أي عام 2015. وتأتي فصول الكتاب ومقاطعه تحت عناوين تحمل تاريخ اليوم، وإشارة إلى عدد الكتب التي جرى طلبُها على الإنترنت أو شرائها في المكتبة.
وقد جعل شون كل يومياته مصدرة بعبارة لجورج أورويل من كتابه “مذكرات مكتبة” وعدد الكتب المطلوبة عبر الإنترنت وعدد الكتب الموجودة وينهيها بعدد الزبائن وإجمالي الإيرادات، وما بين هذه الثوابت يروي لنا شون طرائف يومه مع الزبائن وقصصهم الغريبة، فاليوميات في الأصل مثل الجرد الذي يقوم به التاجر، والذي تخللته ملاحظات وتأملات وانفعالات وأفكار.
ويسجّل بيثل مجريات يومه، من لحظة وصوله إلى المكتبة حتى خروجها منها، وما يقع بين ذلك من ترتيب للرفوف، أو إجراء للحسابات، أو مجادلات مع زبائن من هؤلاء الذين يعبثون بالكتب ويسألونه كثيراً من الأسئلة، ثم يغادرون المتجر من دون أن يشتروا عنواناً واحداً. كما يمزج بيثل بين هذه الأحداث العادية، الشخصية، وبين قراءات وإشارات إلى مئات الكتب التي قرأها أو حكى له الزبائن عنها.
ويروي الكاتب قصص الكثير من الزبائن الذين يشترون الكتب عن طريق الإنترنت ومشاكلهم ومراسلاتهم وتهديداتهم وابتزازهم أحيانا لتشويه سمعة المكتبة، لأن الطلبات تأخرت أو للتهرب من دفع الثمن أو استرداده، كأن يرسل أحد الزبائن الرسالة التالية “لم أستلم كتابي بعد، رجاء حلوا لي المشكلة، لحد الآن لم أكتب تقييما بشأن خدمتكم”، ويكتب زبون آخر “هذا أمر شائن، لا أعرف كيف واتتك الجرأة أن تدعو نفسك بائع كتب وأنت تبعث مثل هذه النفايات”.
تكشف اليوميات عن أسرار مهنة تجارة الكتب المستعملة، إذ يفتح صاحب المكتبة لتغذية نشاط المكتبة أو مقاومة كساد تجارة الكتب الفضاء للقاءات ثقافية تبدو بعيدة عن عالم الكتاب، كاستضافة أشهر رجل حامل للأوشام يقدم عرضا وحكايته مع الوشم للجمهور، أو استضافة فنانين شباب لتقديم عروض في المكتبة.
تراجيديات المهنة
يروي الكتاب قصصا مؤثرة متعلقة بمهنة تجارة الكتب، خاصة ما يتعلق ببيع أهل الفقيد مكتبته، وهي عروض مغرية للتاجر الذي يتنقل لتثمين الكتب المعروضة ولكن تلك الزيارات تترك أثرا نفسيا كبيرا عنده عندما يلتقط تاجر حساس أمورا سرية متعلقة بمالكي الكتب تقذف في قلبه شعورا غامضا بالذنب باعتباره الشخص الأخير المكلف بمحوهم.
ويقول “تجربة تفريغ ملكية ميت هي تجربة مألوفة لدى معظم الناس في تجارة الكتب المستعملة، وهي تجربة تجعلك تغدو ببطء متحجر العاطفة، عدا حين يتعلق الأمر بزوجين ميتين بلا أطفال، لسبب أو لآخر الصور على الجدار، الزوج في زيه النظامي، الزوجة -وهي شابة في باريس- تثير نوعا من كآبة ما كانت لتوجد لو كان لديهما أطفال يعيشون بعد موتهما، إزالة مجموعة كتب كهذه تبدو أنها الفعل النهائي لمحق شخصيتهما، أنت مسؤول عن محو الدليل على أنهما كانا موجودين”.
This post is also available in: English (الإنجليزية)