الوصف
المسلمون قادمون.. الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإرهاب
يتوزع كتاب “المسلمون قادمون: الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإرهاب” على مقدمة وتسعة فصول وخاتمة؛ ويستعرض عبره مؤلفُه المحاضر البريطاني آرون كوندناني -المهتم بموضوع الإسلاموفوبيا- مسار “الإسلاموفوبيا” بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
ويناقش كيف أدت الدراسات والتفسيرات والتحليلات “المغالطة” للتطرف -باعتباره سلوكا “دينيا”- إلى ظلم ديانة كاملة من جهة، وإلى تكثيف عوامل التطرف من جهة أخرى؛ لتتحول سياسات مكافحة الإرهاب إلى عامل إضافي لصناعة الإرهاب، ويتم الاستقراء من خلال “نماذج” متعددة من “الحالات”، وبأسلوب لا يخلو من طرافة وعمق.
وسنحاول في هذا العرض تقديم أهم الملاحظات التي تضمنها الكتاب:
الإسلاموفوبيا.. والعدو المثالي
يطرح المؤلف إشكالية “الإسلاموفوبيا” وكيف تمت ترجمتها إلى ما بات يُعرف بالحرب على الإرهاب؛ مستخدما الحالة الأميركية والبريطانية نموذجا؛ مبينا سلسلة من المغالطات ترعاها فلسفة “تبريرية” يتبناها العديد من المثقفين والإعلاميين ومراكز الدراسات.
يشير الكاتب إلى أن العنوان تم استقاؤه من فيلم “الروس قادمون”، ذلك الفيلم الذي صور الروس صورة مغايرة للصورة النمطية التي تقول إنهم ليسوا إلا بشرا مبرمجين مثل الآلات على استعباد البشر؛ فيصوّرهم الفيلم بأنهم بشر تماما مثل الأميركيين؛ فهم مزيج من عدم الكفاءة والبطولة والرومانسية، وكأن كوندناني يريد أن يقول: المسلمون لا يختلفون عن بقية البشر!
يحاول الكاتب صياغة مفهوم للإرهاب باعتباره: العنف ضد المدنيين الأبرياء الذي يُقصد به دعم قضية سياسية. ومن خلال هذا التصور يرى الكاتب أن عمل الجيوش الغربية في البلدان الإسلامية عمل إرهابي، ولا يمكن مقارنة كمِّ ضحاياه بكمّ ضحايا “الإرهاب الإسلامي” في البلدان الغربية، لافتا الانتباه إلى أن مصطلح “الإرهاب” تم تسييسه بامتياز.
ويستعرض رأي صامويل هنتنغتون القائل بأن المسلمين مثّلوا العدو المثالي للولايات المتحدة؛ الذي ينبغي أن يكون صاحب أيديولجية معادية، وثقافة مختلفة، وقوة لافتة. وهذا ما تحتاجه الأمة الأميركية كي تتجمع ضد هذا العدو.
وقد استعرض نماذج متعددة تشرح هذا التفسير وتوضحه؛ إذ تسعى الدولة -ممثلة في مؤسساتها الأمنية، ومراكز دراساتها الإستراتيجية، ومحلليها المؤثرين- إلى تجذير ذلك المفهوم، الذي يجعل المسلم مختلفا بالضرورة ويُلصق به الإرهاب؛ مهما سعى إلى “الاندماج” ومهما ابتعد عن تمثُّل “هويته” الدينية.
من خلال هذه “الفلسفة” يظهر بعض التناقض المكشوف؛ فغالبية المدافعين عن الهوية الإسلامية في الغرب كانوا صنيعة استخبارات غربية كجزء من مواجهة المد الشيوعي. لكن ما إن وقعت أحداث 11 سبتمبر/أيلول حتى أصبح الانتماء إلى الإسلام يساوي تهمة الإرهاب.
التطرف وتطوره.. والغضب الليبرالي
توصَّل فلاسفة الحرب على الإرهاب -حسب المؤلف- إلى مذهبين بارزين في فهم “التطرف الإسلامي”: الأول، مذهب يرى أن المجتمعات الإسلامية أخفقت في التكيف مع الحداثة بسبب الثقافة الإسلامية؛ وقد سمّى المؤلف هذا المذهب -الذي يتبناه المحافظون- بـ”المذهب الثقافي”.
يرى أصحاب هذا المذهب أن العالم الإسلامي يميل فطريا إلى العنف والتطرف، كما يرتبط هذا المذهب ارتباطا وثيقا بممارسات الهجرة التمييزية؛ واعتبار المسلمين “مجتمعات مشبوهة”.
والثاني، مذهب سياسي يتبناه الإصلاحيون، ويرى أن “التطرف” انحراف عن رسالة الإسلام؛ إذ ليس ميراث ديانة شرقية قديمة بل هو نتيجة عمل “منظّرين” حولوا تعاليم الإسلام السمحة إلى “أيديولوجيا سياسية” شمولية معادية للإسلام نفسه. ومن هنا دعا الإصلاحيون إلى الاعتراف بالتيار الإسلامي الرئيسي في أوروبا؛ ليكون هوية مقبولة في إطار خطاب التسامح الثقافي الرسمي.
“بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في أميركا ونتيجة تبني الحكومات للحرب على التطرف والإرهاب؛ أصبح مصطلح التطرف يدل بالضرورة على عملية “نفسية” أو “دينية” يتحول بموجبها المسلمون إلى اعتناق آراء متطرفة، ولم يعد عمل جُل الباحثين الرواد والمحللين إلا امتدادا للأهداف البعيدة والقريبة المرسومة من الحكومات”
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في أميركا ونتيجة تبني الحكومات للحرب على التطرف والإرهاب؛ أصبح المصطلح يدل بالضرورة على عملية “نفسية” أو “دينية” يتحول بموجبها المسلمون إلى اعتناق آراء متطرفة، ولم يعد عمل جُل الباحثين الرواد والمحللين إلا امتدادا للأهداف البعيدة والقريبة المرسومة من الحكومات.
هكذا يستنتج الكاتب من خلال استعراض نماذج متعددة من تلك الأعمال التي مثلت جسرا بين دراسات الإرهاب وكتابات التحول إلى التطرف؛ والتي يركز أصحابها -في مغالطات مكشوفة- على معتقدات الأفراد الدينية ونفسياتهم؛ مع إهمال مُمنهج للعناصر السياسية.
ثم يستخلصون أن التحول إلى التطرف لا يعدو كونه “عملية دينية” أو عملية “نفسية دينية”، يتحول فيها الأفراد إلى “إرهابيين” بسبب معتقدات وهويات دينية خطيرة؛ تُفعّلها “ديناميات” الجماعة عبر مسلكيات من قبيل: الانعزال عن الحياة السابقة، والانضمام إلى جماعة مماثلة، والإقلاع عن التدخين وشرب الخمر، وارتداء ملابس إسلامية، والانخراط في النشاط المجتمعي.
يورد المؤلف مراحل ما يُسمى “التحول إلى التطرف” مع ملاحظة نموذجين في الخطوات التي ينتهجها عادة “المتحوِّلون”: أحدهما نموذج تتبناه شرطة نيويورك سيتي، والثاني نموذج “أف بي آي”، ولا تكتفي هذه الجهات أحيانا بمتابعة مراحل التحول؛ إذ يرون الاعتماد عليها وحدها لا يكفي.
فالتطورات الحاسمة قد تحدث في غضون أشهر قليلة؛ فيتم زرع “العملاء” بين الشباب المسلم ليقوموا بتحويلهم إلى العنف، ومن ثم يتم الانقضاض عليهم. وهكذا تصبح الحكومات وأجهزتها الأمنية هي من تقوم بعملية “التحول إلى التطرف”، ويتأكد هذا من خلال عدد المرشدين الهائل الذي تجاوز (في عام 2008) 15 ألف مجند!
وإذا كانت للرقابة الشرطية المجتمعية -حسب المؤلف- مزايا في التعامل مع قضايا المخدرات وجرائم العصابات؛ فإن استخدامها لمكافحة الإرهاب شأن آخر، والأغلب في المسلمين المعتدلين المجنَّدين أنهم من أبواق الحكومة التي تنقل رسالتها السياسية إلى أفراد المجتمع، وليس العكس.
حملات صليبية جديدة
يستعرض الكتاب الكثيرَ من مظاهر الكراهية التي يتعرض لها المسلمون فقط لأنهم مسلمون، في تفسير واضح للبعد الديني في الموقف؛ إذ يتم استفزازهم بشتى الوسائل وبصفة معلنة؛ فتتم الدعوة في العلن إلى رفض بناء المساجد أو هدمها وتنجيسها.
بل يتجاوز الأمر ذلك إلى الاعتداء على “المسلم” حين يعلن انتماءه الديني. وتتجذر الظاهرة أكثر حين يتجاوز بعض دعاتها عُقدتهم “الدونية” فيطلبون الوحدة مع السود (غير المسلمين) لمواجهة خطر المسلمين.
ويوغل العنصريون في عنصريتهم فيستخدمون شعارات وإشارات وهتافات عنصرية وعنفا عنصريا؛ ليتم التحول من “معاداة السامية” إلى “الإسلاموفوبيا”، وتصبح “أسلمة” أوروباوأميركا هي الخطر الذي يتهددها؛ ويجب الوقوف في وجهه بشتى الوسائل والآليات.
“حلّت بدلَ “المؤامرةِ اليهودية” -التي كان يتبناها اليمين المتطرف- “مؤامرةُ الشريعة”، إذ يرى العنصريون الغربيون أن “الإرهاب الإسلامي” هو قمة جبل الجليد المخفي، وقد وَجدت هذه الدعوة آذانا صاغية لدى الحكومات ودوائر الأمن والجماعات القومية”
وهكذا تحلّ بدل “المؤامرةِ اليهودية” -التي كان يتبناها اليمين المتطرف- “مؤامرةُ الشريعة”، فيرى هؤلاء أن “الإرهاب الإسلامي” هو قمة جبل الجليد المخفي، وقد وَجدت هذه الدعوة آذانا صاغية لدى الحكومات ودوائر الأمن والجماعات القومية، التي يرى بعض عناصرها أن الشريعة الإسلامية تخترق بعض الأنظمة العاملة في أميركا، بل والحضارة الغربية برمتها.
ويرى هؤلاء أن اللباقة السياسية والتعددية الثقافية أضعفت الهوية القومية، وشجعت التطرف الإسلامي. وقد ظهرت نظرية “مؤامرة الشريعة” على إيقاع نماذج التحول إلى التطرف المغلوطة، كي يتولد مزاج عام يكون فيه أي تنظيم أو تعبير إسلامي موضع شك مبدئي.
ولذلك اعتُبرت كافة الهيئات الإسلامية الأميركية ذات الطابع الخيري -والتي كانت إلى عهد قريب محل تزكية- هيئات تموّل “الإرهاب”، ولم يعد حق التضامن مع المظلومين من المسلمين كالفلسطينيين متاحا لتلك الجمعيات. رغم أن الحكومة لم تستطع -على ما بذلته من متابعة وتنصّت- أن تجد أي دليل على صلة تلك المؤسسات بمنظمات “إرهابية” مثل حركة حماس.
وإذا كانت رؤية المحافظين للمنظمات الإسلامية السياسية أنها تتوحد في مؤامرة عالمية للإطاحة بالحضارة الغربية؛ فإن الليبراليين غالبا يميزون بين المنظمات المعتدلة والأخرى المتطرفة. وهنا يثور الجدل بين التيارين المحافظ والليبرالي حول سؤال: هل يمكن دمج الإسلام السياسي في المنظومة الرأسمالية الليبرالية أم أنه بالضرورة خطر يهددها؟
يرى المؤلف -في خلاصات كتابه- أن المسلمين محاصرون في معركة أيديولوجية بين إسلام “معتدل” ومحايد سياسيا في ظاهره لكنه ضمنيا يؤيد الحكومات الغربية، وإسلام “عنيف ومتطرف بطبعه”.
ورغم أن مصطلح “التطرف” في هذا السياق يحمل إحالة إلى “السلفية” أو المعتقدات الدينية المحافظة؛ فإنه يكتسب -في ذات الوقت- دلالة “هوية” فيشير إلى فكرة هوية عالمية إسلامية، تشدد على صِلات المسلم بغيره من المسلمين في العالم وتُقدّمها على الجنسية الوطنية
المصدر: الجزيرة – أحمد الحافظ
المسلمون قادمون.. الإسلاموفوبيا والتطرف والحرب الداخلية على الإرهاب
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية
https://old.booksplatform.net/ar/product/la-sainte-ignorance/
https://old.booksplatform.net/ar/product/living-in-the-weather-of-the-world/