الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
حماقات بروكلين
تمت الترجمة من خلال دار المدى
هذا النثر، الذي يعكس بناءً مميزاً وتقطيعاً ماهراً للفقرات، بجعلنا نتفاعل على نحو مفعم بالدفء مع شخصيات الرواية، وفي مقدمتها ناتان نفسه، الذي يبدو لنا شخصاً طريفاً يعكس ثقافة الضواحي الأميركية بوضوح، لكنه في الوقت نفسه يعكس شعوراً بالافتقار إلى الأمان، ودهشة في مواجهة العالم وتجلياته المختلفة.
ومع أن ناتان يوضح لنا أنه انتقل من الضواحي إلى بروكلين، ويزعم أنه لا يرغب في أن يدور الحول وهو لا يزال على قيد الحياة، إلا أننا سرعان ما نكتشف أن عناصر الجاذبية التي يتمتع بها الحي النيويوركي العتيد تجعل الطاقة تتدفق في عروقه.
وعلى الرغم من أنه يوضح أيضاً أنه جاء ليكون شخصاً مجهولاً في الحي لا يعرفه أحد، إلا أنه سرعان ما يقع في حب الحي وحيويته وإمكانياته التي لا حدود لها في توفير أشكال التواصل التي تأتي بمحض الصدفة، وسرعان ما ندرك سر ناتان الذي يخفيه عن نفسه، فهو لا يرغب في الموت، وكل ما هنالك أن الضجر قد هيمن عليه.
والقارئ لا يملك إلا أن يتأثر لدى مشاهدة هذا التحول، كما أنه يتأثر كذلك بسخرية ناتان من نفسه، فيما هو يتعرض للفتنة العارمة التي تفرضها عليه نادلة جذابة. لكن المصادفة المدهشة حقاً هي لقاء ناتان مع ابن أخيه في إحدى المكتبات، حيث يصبح هذا الأخير، ويدعى توم، الصديق الأقرب إلى ناتان.
ويقال لنا، في إحدى منعطفات الرواية، إن توم هو: «البطل الذي عانى طويلاً من هذه الحماقات البروكلينية».
وتوم لا يمكن إلا أن يثير اهتمامنا، فهو فتى ماهر ومحبط معاً.
وقد ترك دراسته الجامعية، ليعمل سائقاً لسيارة أجرة، وليعمل في إحدى المكتبات، وسرعان ما نتابع بفضول حواراً طويلاً بين توم وناتان حول طبائع الأشياء وحماسهما الكامن في قلب يأسهما، ونصغي لناتان وهو يقول لتوم: «إنك تعشق الحياة، ولكنك لا تؤمن بها، وأنا بدوري لست أومن بها».من خلال الحركة والأحداث يولد الإيمان.
وعلى الرغم من أن تلخيص الرواية ـ أي رواية يظل أمراً مستحيلاً في نهاية المطاف، إلا أنه يمكنننا القول إن ابنة أخت توم التي لا يتجاوز عمرها تسع سنوات تظهر فجأة، وترفض إبلاغه بمكان أمها، أورورا، فيصحبها توم وناتان في رحلة بالسيارة وينجحان في تجنب حادث صدام مروع، ويموت صاحب المكتبة تاركاً مكتبته لتوم، وينقذ ناتان أورورا من زوج مجنون. وتحمل الأيام صديقات لكل من ناتان وتوم وأورورا أيضاً.
هنا رسالة حقيقية مفادها أن حياة كل إنسان هي قصة جديرة بتأليف كتاب حولها، فكل حياة هي شيء ثمين في نهاية المطاف، ولابد من أن يحيا المرء مع من يحبهم كل يوم وكأنه اليوم الأخير في حياته. هذا هو ما يدركه ناتان، وكل الشخصيات الأخرى، في نهاية المطاف، أما باقي الكتاب فيمضي القارئ معه ليتابع تجريباً لأفكار شتى حول اليوتوبيا قبل الوصول إلى هذا الإدراك.
عند هذا المنعطف لابد للمرء من أن يدرك الحقيقة البسيطة التي وضع العديد من النقاد أيديهم عليها وهم يتأملون هذا الكتاب.
هذه الحقيقة مفادها ان أوستر من خلال «حماقات بروكلين» قد قرر أن يكتب شيئاً أقرب إلى الرواية التقليدية، شيئاً يعكس قلباً كبيراً، شيئاً يؤكد على الحياة، حتى وإن تعامل معها بسخرية على نحو حان ورقيق.
السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يتعامل قراء أوستر الذين اعتادوا أعماله السابقة الأكثر قتامة وسوداوية وصرامة مع هذه الرواية الجديدة؟ لا يتردد جيف تورنتلاين، المحرر الأدبي لـ «واشنطن بوست» في الرد على هذا السؤال بالقول إن مثل هؤلاء القراء لابد لهم من التعامل مع «حماقات بروكلين» بامتنان وتشجيع المؤلف.
وهو يرى أن رواية أوستر الحادية عشرة هذه هي مؤشر يلقى الترحيب إلى أن أوستر، الذي غالباً ما يمكن لعالمه الروائي أن يبدو آلياً ومحكوماً بحتمية مسبقة ضارية، قد بدأ يخفف من غلوائه أخيراً. فناتان جلاس شخصية يمكن أن توصف بأنها تأخذ الأمور بيسر وعلى مهل.
ليس من قبيل الصدفة أن ناتان جلاس يذكرنا عند أحد منعطفات الرواية بأننا: «لا ينبغي علينا أبداً أن نقلل من قوة الكتب».
ولو أننا أخذنا هذه العبارة خارج سياقها لبدت لنا ناتئة وعابرة، ولكنها إذا وضعت في سياقها وفهمت في إطاره، فإنها تمضي بنا مباشرة إلى قلب جانب كبير من أعمال أوستر وإلى صميم هذه الأعمال، فالقصص التي يرويها بعضنا للبعض الآخر ليست تسلية فحسب، وإنما هي أحد تجليات الوصول إلى قلب الأشياء.
من الطريف هنا أن نشير إلى أن توم في إحدى مناقشاته الأدبية العديدة مع عمه ناتان يحكي قصة عن فرانز كافكا جديرة بالتوقف عندها وتأملها طويلاً. مفاد هذه القصة أن كافكا، قبيل رحيله عن عالمنا، كان يقيم في برلين مع حبيبته، وذات يوم مضى للتنزه في الحديقة القريبة فرأى صبية صغيرة تبكي.
وسألها عما يجعلها تبكي، فأبلغته بأنها قد فقدت دميتها، ومن دون تردد قال لها إن الدمية لم تفقد، وإنما هي مسافرة، وأضاف انه يعرف ذلك معرفة يقينية لان الدمية كتبت له رسالة تصف فيها رحلاتها، ووعد الصبية بإحضار الرسالة لها في اليوم التالي. في كل يوم وعلى امتداد ثلاثة أسابيع دأب كافكا على أن يحضر للصبية رسالة جديدة كان قد أمضى الليلة السابقة في كتابتها إلى أن وصلت الصبية إلى مرحلة لم تعد تذكر فيها لماذا هي حزينة في المقام الأول.
ويقول توم لناتان عن الصبية: «لقد أصبحت لديها قصة، وعندما يكون شخص ما محظوظاً بما فيه الكفاية بحيث يعيش داخل قصة، فإنه يحيا في عالم خيالي، وتختفي آلام هذا العالم». ربما لهذا، بالضبط، فإن عشاق كافكا هم في الغالب من محبي أعمال أوستر، ومن المؤكد أنهم سيجدون «حماقات بروكلين» شيئاً جديراً بالاهتمام.
%حقائق في حياة بول أوستر
ولد الروائي والشاعر والمترجم وكاتب السيناريو الأميركي بول أوستر في نيوآرك بنيوجيرسي في 3 فبراير 1947.
% قدم للقراء إحدى عشرة رواية ونتاجا غزيرا في سيرة الحياة الذاتية وسيناريوهات الأفلام.
% يعكف حالياً على انجاز مشروع فيلم بعنوان «الحياة الداخلية لمارتن فروست».
% ستصدر له في أوائل العام المقبل روايته الثانية عشرة بعنوان «رحلات في المتاهة».
% يقيم في حي بروكلين النيويوركي مع زوجته الروائية سيري هاستفيت وابنته المغنية صوفي.
حماقات بروكلين
للمزيد من الكتب، اضغط هنا
https://old.booksplatform.net/ar/product/الخائفون-رواية/
https://old.booksplatform.net/ar/product/hamlet/
https://old.booksplatform.net/ar/product/season-of-migration-to-the-north/
This post is also available in: English (الإنجليزية)