السيطرة على سوريا: السلطة والتلاعب تحت حكم الأسد

عنوان الكتاب السيطرة على سوريا: السلطة والتلاعب تحت حكم الأسد
المؤلف دانيال جيرلاخ
الناشر  edition Körber-Stiftung
البلد ألمانيا
تاريخ النشر 2015
عدد الصفحات 392

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

بعد سنوات من الحرب و الاستبداد، لا يزال النظام السوري في السلطة، ولكن ما واقع هذا النظام، وماهي القوى التي تجعله متماسكا وباقيا حتى الآن؟ الصحفي والمستشرق دانيال جرلاخ يكشف النقاب عن خلفية منطق العنف والتلاعب، التي يتعرض لها الحكام أنفسهم.
ذوفي هذا الكتاب، يسلط دانيال جرلاخ الضوء على علاقة الفصام بين الأديان والطوائف في سوريا، وأيضا على عمل القوات المنظورة وغير المنظورة التي تشارك فى هذا الصراع. ويحكى عن التجارب المؤلمة التي تمر بها سوريا ، ويؤكد أن النظام هو الضامن للاستقرار وهو المحافظ على الدولة التي للأسف لم تعد دولة الآن.

ما يخطه قلم دانييل في هذا الكتاب متميز بموازين ما يحتاج إليه القارئ الألماني من معلومات، لا سيما عندما تكون الصياغة ميسرة لعموم القراء، ولا تدخل في تفاصيل ما قد تتطلبه دراسة قائمة بذاتها، إنما ليس فيما يطرحه الكاتب ما يتطلب العودة إلى مراجع، فكثير مما يكتبه وما تنشره المجلة مرجع لسواه، وقد تضمّن نص الكتاب الإشارة إلى المصادر، علاوة على هامش توثيقي لبعض الاستشهادات وقائمة تضم ٤٢ مرجعاً ومصدراً مختاراً، مما يساعد الراغبين من القراء على التعمق فيما يتحدث الكتاب عنه.
ويركز الكتاب على طرح جوانب الوضع في سورية دون اللجوء إلى أسلوب التأريخ، بل عبر تسليط الضوء على ما يكمن وراء عناوين انتشر الحديث عنها في مواكبة مسار الثورة، بهدف تمكين القارئ من استيعاب أفضل لها، ويكشف عن نهجه في عبارة تتصدر المقدمة وتقول: “جميع المجتمعات الحرة متشابهة، أما المجتمعات غير الحرة فلكل منها صيغة خاصة به”، فيؤكد من خلال ذلك أهمية التعرف على الخلفيات والخصائص المميزة للأوضاع في سورية، ليمكن فهم ثورتها.
ولا تعني تلك الخصوصية “تبريراً” لطرف أو ممارساته، فهي في محتوى الكتاب (١٤ فصلاً عدا المقدمة) أقرب إلى التعريف بعدد من “الخصوصيات”، بمعنى مواصفات العناصر التي ساهمت في صناعة البنية الهيكلية للسلطة الأسدية أو برزت للعيان أثناء الثورة، وهذا ما يجسد الهدف من الكتاب وينعكس في الفصلين الأول والأخير، وكلاهما يتحدث عن ماهية النظام الأسدي، بينما تضمنت الفصول الأخرى بينهما الشرح والتفصيل.. دون ترتيب زمني أو موضوعي، ولكن محتويات الفصول متكاملة مع بعضها بحيث تطرح معاً أهم دعامات السيطرة عبر النظام، وأسرار بقائه لعدة سنوات رغم نهايته واقعياً، ومعرفة ذلك -تبعاً لنهج الكاتب- ضرورية لاستيعاب الثورة من حيث أسبابها ومجراها، وقد حملت فصول الكتاب العناوين التالية على التتالي:

(١) ردود فعل النظام – الانتفاضة في درعا ونتائجها (٢) عدوّ عدوي: الخلافة (٣) أشباح تدمر (٤)عودة حماة (٥) طبيب العيون قائد عسكري: بشار الأسد والقوات المسلحة (٦) موت الكبار -المقصود أعمدة السيطرة عبر النظام مثل عاصف شوكت- (٧) أسرار العلويين (٨) كتائب زينب: النظام والشيعة (٩) يمين حسن نصر الله (١٠) المبدأ الإيراني (١١) حول الدببة والأسود -المقصود العلاقة مع موسكو- (١٢) معضلة الدروز (١٣) أكاذيب وصلوات (١٤) التشبيح.. ما ماهية هذا النظام؟.
عندما يعطي جيرلاخ مقدمة كتابه عنوان “سورية في ضوء الفجر” يكشف بصورة غير مباشرة عن تقويمه للثورة أنها بداية بزوغ الفجر بعد ظلمة العهد الأسدي، ويرى عبر التفاصيل التي أوردها عن الأسابيع الأولى للثورة في درعا وتعامل المسؤولين معها، أنهم لم يكونوا يعلمون ما تعنيه تلك الأحداث موضوعياً، إنما أدركوا بغريزتهم أنها تنذر بالخطر على وجود النظام فتصرفوا بما أدى واقعياً إلى “دمار الدولة… واستمرار وجود النظام”.

ويستفيض الكاتب بالحديث في الفصل التالي عن تنظيم “الدولة الإسلامية” وقتالها لكتائب الثوار دون النظام لفترة طويلة، علاوة على مقارنة دقيقة للاستراتيجيات والممارسات، ما بين التنظيم وممارساته” والنظام الأسدي، ليؤكد أنها تعكس صورته في المرآة، ولا يأتي المحتوى بجديد للقارئ العربي ولكن ذكره بقلم ألماني رصين ومقنع، هو بالذات ما يحتاج القارئ الألماني إليه.
يسري شبيه ذلك على الفصول الأخرى التي يمكن اعتبارها شاهد إثبات على ما تردده المصادر الثورية السورية ولا يتبناه الجزء الأكبر من قطاع الإعلام والسياسة في الغرب عموماً، ويبرز من بين هذه الفصول مثلاً ما يتحدث عن “المبدأ الإيراني” بعد استعراض الكاتب لما انتشر من أدلة على المشاركة الإيرانية المباشرة في القتال لا سيما على جبهة حلب، ثم يتساءل عما يجمع الحليفين الدائمين وأحدهما يمثل “جمهورية إسلامية” والآخر “نظاماً علمانياً”، مع ملاحظة ما بدأت تردده الأوساط الثورية عن علاقة احتلال وليس تحالف، إنما ينتقد الكاتب المبالغة في تصوير الدور الإيراني، ولا يعتبر ذلك مساعداً على الوصول إلى مخرج من الوضع الراهن، بل يؤكد أن فهم الدور الإيراني لا يحتاج إلى “استقصاء أو عمل استخباراتي”، فالمعلن عن دور الحرس الثوري، وجيش القدس، هو الوصول بأقل كلفة ممكنة إلى إيجاد حلفاء عسكريين عقائديين على المدى البعيد،
والنموذج لذلك وفق أقوال خامنئي هو منظمة حزب الله في لبنان، مما يعني تكوين منظمات شبه عسكرية، وهو ما يرجع إلى طريقة التفكير التي سادت ثورة إيران بضرورة الاعتماد على مثل تلك التشكيلات، وعدم الاكتفاء بالاعتماد على قوات مسلحة وقوات أمنية، ويستبعد الكاتب قابلية تحقيق هذا النموذج في سورية، كما يشير إلى تطورات إقليمية تدفع إلى التشكيك في قابلية تحقيق الرغبة الإيرانية أن تجد إيران القبول دولياً كحليف في الحرب ضد تنظيم الدولة، وهو ما يمكن أن ينطوي لو تحقق على تحسين وضع الحليف الأسدي.

ومن الفصول المتميزة أيضاً الفصل الثاني عشر بعنوان: معضلة الدروز، إذ يبدأ الكاتب بنقد الطريقة الغربية في طرح ما يعتبره الغرب فتنة، أو نزاعات طائفية أو مذهبية، ويؤكد أن “هذه المصطلحات استمدها الباحثون المؤرخون الغربيون من دراسات التاريخ المذهبي والطائفي في أوروبا، وأصبحوا يطبقونها على عالم تغلب عليه الصبغة الإسلامية”… ثم يستعرض الوجود التاريخي للدروز في سورية، ودورهم في الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، مقابل “حالة التنافس بين العلويين والدروز في القوات المسلحة” لاحقاً، كما يروي قصة سليم حاطوم وكيف تخلص حافظ الأسد وصلاح جديد منه، قبل أن ينفرد الأسد بالسطة نهائياً، وينفي الكاتب عبر هذه الشواهد التاريخية ما يزعمه النظام لنفسه أنه يحمي الأقليات، ويؤكد في خاتمة الفصل أن حرص النظام على عدم التعرض للدروز أثناء الثورة بالأذى يصدر عن خشيته من تأثير انضمامهم إليها أثناء المواجهات التي أنهكته في محافظة درعا المجاورة.

محتويات هذا الفصل والفصول الأخرى تؤكد سعة اطلاع الكاتب على كثير من التفاصيل الدقيقة المتعلقة بسورية وتاريخها وثورتها الحالية، ويضاعف اقتناع القارئ بنجاح الأسلوب المتبع طرح الأحداث الذي يتضمن في كثير من الأحيان ذكر بعض ما شارك فيه الكاتب مباشرة من لقاءات وحوارات مع أصحاب العلاقة، وهذا ما يزيد قيمة النتيجة التي يخلص المؤلف إليها، ويعبر عنه في نهاية خاتمة الكتاب بقوله:

“لم تعد توجد الدولة السورية التي تزعم هذه الحكومة أنها تتصرف باسمها، ولا يعني هذا أنه لا يمكن إعادة الحياة إليها من جديد، ولكن من الواضح أن هذا النظام بالذات لن يستطيع ذلك، فهو لا يعطي قيمة لحياة الشعب ولا يفقه ما يعنيه مصطلح الدولة أصلاً”

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP