الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟
تمت ترجمة الكتاب من خلال دار الشبكة العربية للأبحاث والنشر
بعد ثورات الربيع العربي وما تلاها من اقتتال عسكري أو ثورات مضادة، ومع تباين المسارات والأوضاع في كل دولة، بقي السؤال الأهم والذي يُمكن، بناءً على إجابته، تصوّر إمكانية نجاح أي ثورة من عدمها، وهو: ما موقف الجيش من هذه الثورة؟
في هذا الكتاب المُهم حاول زولتان باراني تتبّع مسار عدة ثورات، ودراسة مواقف وسلوكيات الجيوش في هذه الدول لاستخلاص القوانين التي تستند إليها الجيوش والميكانيزمات والأنماط التي تنتهجها -حال حدوث ثورات شعبية- بحسب حجمها وحضورها في جهاز الدولة، وكذلك بحسب طبيعة المجتمع.
درس المؤلف ما جرى في عدة دول شهدت ثورات شعبية، بدْءً من إيران فبورما فالصين فدول أوروبا الشرقية، مثل: “بولندا، المجر، بلغاريا، رومانيا، تشيكوسلوفاكيا، ألمانيا الشرقية”، ثم درس ما حصل في دول الربيع العربي “تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وسوريا”، وأشار كذلك في ختام كتابه إلى ما جرى في الملكيات العربية.
يتمحور هذا الكتاب حول سؤال “كيف تستجيب الجيوش للثورات؟”. وكما سنرى، فإن قرارات الجنرالات وردود أفعالهم تجاه أي ثورة تخضع لعدد كبير من المتغيرات. علاوة على ذلك، فإن بعضها -مثل التنوّع العرقي والطائفي داخل القوات المسلحة- قد تكون ذات أهمية كبيرة في بعض الحالات، أو هامشية وغير ذات صلة في حالات أخرى.
ولًا وقبل كل شيء أحيي «الشبكة العربية للأبحاث والنشر» على اختيارها للكتاب، وأيضًا لعبد الرحمن عياش على الترجمة الممتازة، صراحةً تعتبر هذه هي المرة الأولى التي أقوم فيها بقراءة كتاب سياسي بدون الحاجة لمعجم مصطلحات وتفكيك شيفرة الرموز؛ فالأسلوب سلس وسهل جدًا وبسيط ومشجع على القراءة.
ثانيًا بالنسبة لمضمون الكتاب
كيف تستجيب الجيوش للثورات ولماذا؟
العنوان بكل وضوح هو مضمون الكتاب الذى يقدم عددًا من النماذج التحليلية للعديد من الثورات، كالثورة الإسلامية في إيران وثورة الصين، وثورات أوروبا الشرقية، وبورما وأخيرًا ثوراتنا المنكوبة في الربيع العربي محللًا ودارسًا لتعاطي جنرالات تلك الدولة مع ثوراتها، فدور الجيش في أية ثورة أو عملية تغير سياسي في أية دولة هو دور مفصلي، فميله للنظام يطيل أمده، ويمط من فترة النزاع، كسوريا، أو يثبت أركانه ويمحو المعارضين، كالصين، أو في حالة رغبته في التغيير ورفع يده عن النظام الحاكم تنجح الثورة ويسقط النظام، كالثورة على تشاوشيسكو، فبالتالي بات دور الجيوش وموقفها من الثورات عاملًا رئيسًا لنجاح أو فشل أية ثورة.
بنى زولتان باراني نظريته في تحليل موقف الجيوش من الثورات على أربع مجموعات من العوامل، يرى أن الجيش يعتمد عليها بشكل كبير في تحديد قراره، وهي عوامل عسكرية تختص بطبيعة مؤسسة الجيش وتكوينه وتجانس أفراده ومذاهبهم، ويليه عوامل الدولة المختصة برؤية الجنرالات لشرعية النظام، والعلاقات المدنية العسكرية وموقف الجيش من الدولة، ثم يأتي دور المجتمع وعلاقته بالجيش ورؤيته له، ثم أخيرًا الموقف الخارجي واحتمالات التدخل الدولي وتقدير الجيش لتلك العوامل هو الجزء الحاسم لأية ثورة، فعليها يبني الجنرالات اختيارهم وقرارهم، إما داعمًا للثورة، وإما قامعًا لها.
العامل الأول: العوامل العسكرية
كان العامل الأول الذي قيم عليه زولتان باراني قرارات الجنرالات في أمثلته التحليلية هو طبيعة تماسك الجيوش وتجانسها وطبيعة الاختلافات المذهبية والعرقية والدينية داخل الجيش الواحد، اختلافات المذهبية والعرقية والدينية داخل الجيش الواحد، ومثال ذلك طبيعة الجيش السنية في البحرين الذي قمع الثورة، وساند النظام الملكي ضد الاحتجاجات الشيعية، بالرغم من أن الشيعة يمثلون الغالبية من شعب البحرين، ورأى أيضًا مؤشر الترقي والتكوين الهرمي للجيوش وصراع الضباط الصغار مع الكبار، ونظرتهم لهم، وقبولهم تجاه قادة الجيش والنظام الحاكم، فهم مسؤولو الوحدات التي ستتولى قمع الثورة إن قامت، وصدرت الأوامر بقمعها، فبالتالي باتت نظرتهم وموقفهم من الحكام والضباط الكبار لهم موقفا مؤثرًا في قرار الجيش وحمايته من الانقسامات، ثم يأتي مؤشر المجندين إلزاميًا وضباط الصف أو المتطوعين والاختلافات الاجتماعية بينهم، وقوة الترابط والانصياع للأوامر داخل بنية الجيش، وأيضًا أتى مؤشر جنود القوات الخاصة والنخبة من اهم المؤشرات داخل الجيش، وهل يوجد انقسامات بين تلك الوحدات الخاصة، وبين باقي أسلحة الجيش؟ وهل يميزها النظام بامتيازات خاصة؟ وبات وجودها في الأساس زعزعة في ثقة النظام في جيشه وميله لتكوين وحدات خاصة يكون ولاؤها له بشكل مطلق، وأيضًا مؤشر هام جدًا: هو رؤية الضباط لشرعية النظام الحاكم وموقفهم منه، وكيف ينظر الجنرالات لقادتهم السياسيين؟ هل يرون دعمًا جماهيريًا لهؤلاء السياسيين أم لا؟ وأيضًا هل للجيش سابق تجربة في قمع احتجاجات ومظاهرات أم لا؟ فالجيوش التي مارست القمع من قبل هي الأكثر توقعًا لأن تعيد إنتاجه وممارسته والميل له من جديد؛ لما يدركه الجنرالات من مصيرهم المحتوم إذا ما نجحت الثورة.
قسم زولتان باراني طبيعة العلاقة بين النظام والجيش والتي تعتبر عامله الثاني في دراسة وتحليل كيف سيستجيب القادة العسكريين للثورات إلى نقطتين رئيستين، وصاغ كلًا منهما في سؤال إذا ما جاوبنا عنه بات توقع نتيجة هذا العامل سهلة ويسيرة. السؤال الأول هو كيف يعامل النظام الحالي الجيش؟ وتشمل الإجابة طبيعة موقف الجيش بالنسبة للنظام، والامتيازات التي يتحصل عليها قادة الجيش، وتعامل النظام معهم بتقدير أم بتهميش لدورهم وإقصائهم سياسيًا أم أن دور الجيش تعاظم في ظل هذا النظام وخلص إلى أن الجيوش لن تتردد في الاستجابة لثورة ضد نظام يسيء معاملتهم ويتعدى على ما يراه الجنرالات امتيازات وحقوقًا خاصة بهم، وتتوقف الإجابة على المرتبات الخاصة بالجنود، واهتمام النظام بعملية التسليح للجيش ومده بالأسلحة الحديثة والسماح لقادة الجيش بالتوغل في الحياة الاقتصادية واختراق هذا المجال بشركات تابعة للجيش تتولى أحيانا تغطية تكاليف عملية التسليح، إلا أن كل هذه العوامل جميعًا ليست قاعدة لا استثناء لها، فالحالة المصرية خير مثال؛ كاستثناء لهذه القاعدة، فبالرغم مما تمتع به قادة الجيش من امتيازات وتوغل الجيش اقتصاديًا، إلا أن كل هذا لم يكن من الأهمية عندما قرر الجنرالات في المجلس العسكري رفع يدهم عن النظام وعدم الوقوف كدرعه الأخير في وجه الثوار في 25 يناير (كانون الثاني)
ثم يأتي السؤال الثاني ما الأوامر التي اصدرها النظام لقادة الجيش يتبنى الكتاب فكرة أن الجنرالات الذين يحصلون على أوامر واضحة وصريحة تحدد متى يتدخل الجيش، وكيفية هذا التدخل، هل باستخدام القوة والأسلحة النارية أم بالاكتفاء بحماية المنشآت وخلافه، وعدم تردد وضبابية هذه القرارات؛ يقوى من موقف النظام لدى الجنرالات؛ فشعور قادة الجيش بتخبط النظام وعدم قدرته على التعاطي مع الثورة في البلاد؛ سيعجل بقرارهم في التخلي عنه.
العامل الثالث: العوامل الاجتماعية
المجموعة الثالثة من العوامل تتعلق بالمجتمع ونظرته وموقفه من الثورة، فما هو حجم هؤلاء الثوار وشعبيتهم وما موقف المجتمع منهم ومن حراكهم، وهل هو راض عن النظام الموجود وهؤلاء لا يمثلون أغلب فئات المجتمع أم أن هذا المجتمع في الأساس ساخط على هذا النظام، ويحظى هذا الحراك بتأييد شعبي واسع، ومما ينظر إليه أيضًا قادة الجيش في صنع قرارهم هو آراء صغار الضباط وتعاطفهم تجاه الثورة من عدمه، وما هو مقدار التقارب الحاصل بينهم وبين الثوار.
العامل الرابع: العوامل الخارجية
رابع المؤثرات على قرار الجيش تجاه الثورة وآخرها هو توقع الجنرالات لكيفية تصرف المجتمع الدولي وانحيازاته لصالح الثوار أم النظام؛ فالخوف من التدخل الأجنبي هو عنصر هام لا يتغافل عنه قادة الجيش مطلقًا؛ فوجود تهديد بتدخل أجنبي لصالح طرف على آخر يهدد وحدة الجيش، كما حدث في ليبيا، فتدخل «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) أمال الكفة لصالح الثوار، وساهم في عدد من الانشقاقات في صفوفهم، وأيضًا تؤثر طبيعة العلاقات بين قادة الجيش ونظرائهم في الدول الأخرى، ومعها أيضًا، اذا ما كان الجيش يتلقى معونات أو مساعدات من دول أخرى؛ لتضمن ولاء قادته لمصالحها المختلفة، فكل تلك العوامل تؤثر في قرار قادة الجيش.
هذه المجموعات الأربع هي ما يراها زولتان باراني العوامل المؤثرة في عملية صناعة القرار داخل المؤسسة العسكرية وموقفها تجاه الثورات الحادثة في بلدانها.
وختامًا: الكتاب هو إضافة مميزة في مجاله للمكتبة العربية، ويمثل أساسًا مرجعيًا لفهم طبيعة قرارات الجيوش وتحركها
المصدر: ساسة بوست – أحمد عادل
كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟
للمزيد من الكتب، زوروا منصة الكتب العالمية
https://old.booksplatform.net/ar/product/the-sociology-of-islam-knowledge-power-and-civility/
https://old.booksplatform.net/ar/product/the-island-of-dr-moreau/
This post is also available in: English (الإنجليزية)