الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
الجهل
في روايته “الجهل”، يقدم لنا “ميلان كونديرا” نصاً قوياً حول المنفى واستحالة أي عودة حقيقية إلى البلد الذي غادرناه، ويحكي لنا بأسلوب حميمي وأحياناً فظ إزاء شخصياته، عن المنفى والإنسلاخ عن الجذور، وبالنتيجة عن الحنين والعودة ووحشة العودة الموسومة بالخيبة.
الأحداث
تدور الرواية حول الغربة والمنفى، عن الهجرة القسرية والآخرة الاختيارية، وعن التشتت والانتماء وفقدان الهوية، وتعالج فكرة الحنين (النوستالجيا) إلى الوطن، وإمكانية العودة إليه لدى المنفيين، وخاصة بعدما تزول أسباب النفي، ولعل هذا الحنين الذي يتحدث عنه كونديرا قد لمسه شخصيًا وآلمه حتى استطاع أن يجرده ويكتب عنه، وربما كان هذا عند استقلال بلده «التشيك».
يغوص كونديرا بعمق في نفسية المغترب ومعاناته، وتمزقه بين شعوره بالحب لوطنه الأم والحب الذي نمى من علاقته مع المهجر، الوطن الجديد: «سينمائي اللاوعي نفسه الذي كان يرسل إليها (يقصد إرنا) نهارًا لقطات فورية من مشاهد مسقط الرأس كصور سعيدة، كان يعرضها أمامها ليلًا عودات مرعبة إلى البلد ذاته، النهار يبين لها الجنة المفقودة، والليل الجحيم الذي هربت منه».
الرواية صغيرة ومختصرة لا تتعدى 140 صفحة إذا كان المقياس هو عدد الصفحات، وبالغة الطول إن كان المقياس هو المسافات التي تقطعها داخلك بتساؤلاتها المالحة الملحّة التي يرميها الكاتب ويهرب كطفل شقي، والتي اتخذ لها شخصيتي «جوزيف» و «إرنا» الذين تجمعهما ظروف مشتركة، من كونهما تركا بلديهما وعاشا في الخارج طوال 20 عامًا، ثم جمعتهما قصة حب.
«كلما كان الزمن الذي نخلفه وراءنا أكبر كلما أصبح الصوت الذي يحثنا على العودة لا يقاوم»
شخصيات الرواية
الشخصيتان محور هذا الكتاب هما إيرينا وجوزيف اللذان تفاهما التاريخ بعيداً عن وطنهما، ويقرران العودة إلى بلدهما في إجازة قصيرة، يجربان حالات لمِّ الشمل لكن الأحداث لا تجري كما يتوقعان، وتأتي المشاعر والأحاسيس المتناقضة لتشويه الصورة المعتادة عن العودة إلى البلد.
شخصيات ميلان كونديرا تذهب وتأتي وتسعى للرسو في مكان ما، تتقاطع المصائر وتتصادم وتخفق، وعندئذٍ تمتزج المشاعر المتناقضة بينما يبقى وَجْهُ الجهل موجوداً في كل مكان، كلّي الوجود: جهلٌ بالبلد، جهلٌ بالتطورات والتبدلات، وأيضاً جهلٌ بالأشخاص في ما يتعلق بتشابهاتهم، بواسطة لعبة تزييف الذاكرة أو هشاشة العلاقات.
في نهاية المطاف، تبرهن الجهل أنها رواية آسرة وأن كونديرا يصفعنا بحقائقه، المحتومة والمربكة، المتشائمة والحالمة، حول الشيوعية والعلاقات الإنسانية والعلاقات الزوجية وسوء الفهم الغرامي، وأمور أخرى كثيرة جداً… ولكن كيف يمكن للمرء أن يقارب هذا العدد من الموضوعات، وبمنتهى الدقة، في هذا العدد الضئيل من الصفحات؟… هذا سر كونديرا.
عن المؤلف:
ميلان كونديرا، هوكاتب وفيلسوف فرنسي من أصول تشكية ، ولد في الأول من أبريل عام 1929، لأب وأم تشيكين. كان والده لودفيك كونديرا عالم موسيقى ورئيس جامعة جانكيك للآداب والموسيقى ببرنو.
تعلم ميلان العزف على البيانو من والده ،ولاحقا درس علم الموسيقى والسينما والآدب، تخرج في العام 1952 وعمل استاذاً مساعداً، ومحاضراً في كلية السينما في أكاديمية براغ للفنون التمثيلية، في أثناء فترة دراسته، نشر شعراً ومقالاتٍ ومسرحيات ،والتحق بقسم التحرير في عدد من المجلات الأدبية.
التحق بـالحزب الشيوعي في العام 1948 ولكنه فُصل هو والكاتب جان ترافولكا عام 1950 بسبب ملاحظة ميول فردية عليهما، ولكنه عاد بعد ذلك عام 1956 لصفوف الحزب ولكنه فُصل مرة أخرى عام 1970.
نشر في العام 1953 أول دواوينه الشعرية لكنه لم يحظ بالاهتمام الكافى، ولم يُعرف كونديرا ككاتب هام الا عام 1963 بعد نشر مجموعته القصصية الأولى غراميات مضحكة.
فقد كونديرا وظيفته عام 1968 بعد الغزو السوفييتى لتشيكوسلوفاكيا، بعد انخراطه فيما سُمى ربيع براغ، اضطر للهجرة إلى فرنسا عام 1975 بعد منع كتبه من التداول لمدة خمس سنوات، وعمل استاذاً مساعداً في جامعة رين ببريتانى (فرنسا)،حصل على الجنسية الفرنسية عام 1981 بعد تقدمه بطلب لذلك بعد إسقاط الجنسية التشيكوسلوفاكية عنه عام 1978 كنتيجة لكتابته كتاب الضحك والنسيان. تحت وطأة هذه الظروف والمستجدات في حياته، كتب كونديرا كائن لا تحتمل خفته التي جعلت منه كاتباً عالمياً معروفاً لما فيها من تأملات فلسفية تنضوي في خانة فكرة العود الأبدي لنيتشة.
في عام 1995 قرّر كونديرا أن يجعل من الفرنسية لغة لسانه الأدبي من خلال روايته «البطء». وفي هذا السياق قال فرنسوا ريكار في المقدمة التي كتبها عن كونديرا في «لابليياد» انّه حقق معادلة غريبة بعد كتابته بالفرنسية، إذ شعر قارئ كونديرا بأنّ الفرنسية هي لغته الأصلية التي تفوّق فيها على نفسه.
وعنه أيضاً يقول الكاتب البريطاني رينيه جيرار: «انّ المدرسة الأدبية التي ينتمي اليها كونديرا ليست إنكليزية على الإطلاق لكونها لا تولي موضوع العمل أو مضمونه الأولوية، بل الأهمية تكمن في الأسلوب الإبداعي والعمارة الأدبية في شكل عام. وعندما قرأت كونديرا في بودابست قرّرت أن أصبح روائياً تحت تأثير الدهشة والإعجاب بهذا الإبداع. قرّرت أن أكتب وإنما تبعاً لمنهج المدرسة الأوروبية وليس البريطانية».
للمزيد من الكتب اضغط هنا
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية
This post is also available in: English (الإنجليزية)