مرصد اسطنبول – هدم الرصد ورصد الهدم: تطور ثقافة العلوم في الإسلام بعد كوبرنيكوس

عنوان الكتاب مرصد اسطنبول
المؤلف سامر عكاش
الناشر  المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
البلد الدوحة
تاريخ النشر 480
عدد الصفحات 2017

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

مرصد اسطنبول – هدم الرصد ورصد الهدم: تطور ثقافة العلوم في الإسلام بعد كوبرنيكوس

نطلق الباحث سامر عكاش في كتابه “مرصد اسطنبول – هدم الرصد ورصد الهدم: تطور ثقافة العلوم في الإسلام بعد كوبرنيكوس”، الصادر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (480 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا)، من حادثة غريبة حدثت في مدينة إسطنبول في بداية عام 1580، هي هدْم المرصد الفلكي الحديث وإزالة جميع مبانيه وآلات الرصد فيه، فينظر في مفصلية هذه الحادثة ودلالاتها من خلال الإجابة عن أسئلة متعلقة بأسباب الهدم وتداعياته، وتقدم قراءة تاريخية جديدة لهذه الحادثة ضمن إطار المستجدات البحثية في تاريخي العلوم والفكر بشكل عام، وتاريخ علم الفلك بشكل خاص، وتبحث في الأسباب الدينية والثقافية التي أدت إليها، وفي تبعاتها العلمية والفكرية، ومدى تعبيرها عن طبيعة العلاقة بين علماء الدين وعلماء الفلك والطبيعة ضمن المجتمع العربي – العثماني.

يتألف هذا الكتاب من مقدمة وقسمين. في “المقدمة”، يوضح عكاش أنه نظر إلى حادثة هدم مرصد إسطنبول من منطلق نظري، واعتبرها محطة افتراق عن المنهج العلمي الغربي الجديد، “إذ اختار العرب والعثمانيون الثبات على منهجهم العلمي التقليدي، في وقت ظهرت فيه نزعات فضولية علمية في أوروبا قادت إلى انطلاق نهج علمي تجريبي جديد اختلف عن النهج العلمي التقليدي أفقًا فكريًا ومبادئ نظرية وأدوات تحليلية”.
هدم الرصد
في القسم الأول، “هدم الرصد”، يبحث عكاش في أسباب الهدم، ويناقش روايات الهدم الشائعة، وأهمية مرصد إسطنبول في مسيرة التطور العلمي، ويدقق في شخصية تقي الدين الراصد من خلال قراءة جديدة للمصادر التاريخية، ويبيّن علاقته بعالِم فلك ومنجّم دمشقي يدعى أبو بكر الصهيوني. ثم يقيم مقارنة بين تقي الدين وعلاقته بالسلطان مراد الثالث من جهة، ومعاصره الراصد الغربي تايكو براهي وعلاقته بالملك فريدريك الثاني من جهة أخرى. وينتقل إلى البحث في الإشكالات الفقهية للرصد والتنجيم بعرض المواقف الشرعية من علمَي النجوم وأحكام النجوم، ويناقش محاولة علماء الدين المسلمين الناجحة والذائعة لتقديم بديل ديني من علم الهيئة الرياضي. ويختم بمناقشة الإرث الفكري لعلم الهيئة الديني الرائج ونظرية انتصار التعصب الديني التي قدّمها الباحثون لتفسير حادثة الهدم.

يتألف هذا القسم من ستة فصول. في الفصل الأول، “مرصد اسطنبول: بناء الرّصد وروايات الهدم”، يورد عكاش خطًا بيانيًا كرونولوجيًا لتاريخ الرصد الفلكي عند العرب، ابتداءً من الخليفة المأمون. وبعد الرصد المأموني، حصلت أنواع مختلفة من عمليات الرصد وظهرت مراكز رصدية موقته لإنجاز أعمال رصد محددة، كمركزَي الشمّاسية ودير مرّان. ويعرض الباحث ثلاث تجارب رصدية مهمّة لها علاقة بتجربة مرصد إسطنبول: تجربة مرصد القاهرة، وتجربة مرصد مراغة، وتجربة مرصد سمرقند، ويتناول بالتفصيل مرصد إسطنبول جامعًا سماته كلها، عمرانية وعلمية، من المراجع، مستعينًا بما ورد في الكتب من صور ورسوم للآلات الرصدية والراصدين وعملهم. كما يتتبع روايات هدم المرصد.

ملك وسلطان
في الفصل الثاني، “الراصد والمنجّم: تقي الدين الدمشقي وأبو بكر الصهيوني”، يمحص عكاش في منمنمة المنصور الواردة في كتابه “شاهنشاه نامه” ليستعين بها في إيراد سيرة مدققة ومحققة لتقي الدين بن معروف الملقب بالراصد، متعرفًا إلى شخصيته مما ورد في الكتب، كما يبحث في الشخصيتين المرسومتين في المنمنمة، متنقلًا بين روايات متعددة. في الفصل الثالث، “الملك والسلطان: الرّصد وضرورة التنجيم”، يقول عكاش إن مشهد صعود نجم تقي الدين ودعم السلطان مراد الثالث له وتبنيه بناء مرصده في إسطنبول، في الوقت الذي صعد فيه نجم تايكو براهي وتلقى دعم الملك فريدريك الثاني له وتبنى بناء مرصده يورانيبورغ، يعطينا صورة مهمة عن تقارب التوجهات الفكرية والبيئة العلمية في العالمين الأوروبي والعربي – العثماني. إلا أن هذا التقارب، توّج مسيرة علمية طويلة حصل بعدها افتراق ثقافي ومنهجي في توجهات العالمين.

في الفصل الرابع، “النجوم وأحكامها: الرّصد وقراءة الغيب”، يذكر الباحث أنه شاع في الحقبة الوسيطية بين العلماء البارزين اهتمام بقراءة الغيب من طريق معرفة النجوم وأحكامها. ولم يكن ذلك بين الحكام والملوك والسلاطين لمعرفة الأمور العظام المتعلقة بالحروب والكوارث والحاكم والسلطنة فحسب، وإنما بين العامة أيضًا لمعرفة دقائق الحياة اليومية. ونجد اهتمامًا مماثلًا لدى المؤرخين في رجوعهم إلى الملاحم والتنبؤات القائمة عليها لتقصّي مدة بقاء الممالك وزمان خرابها. إلا أن ذلك أثار إشكالات شرعية، وانتشر الجدل الفقهي حول التنبّؤ والتكهّن وموقف الشرع من الإخبار عمّا سيكون من الأحوال والحوادث الأرضية من خلال قراءة الظواهر الفلكية في المجتمعات العثمانية في زمن هدم المرصد وفي القرنين اللاحقين. وحين حل الطاعون، عده كثيرون عقابًا إلهيًا على الرصد وقراءة النجوم.

الطبيعة والدين
يفرد عكاش في الفصل الخامس، “الهيئة السُنية: كونيات بلا رصد”، للكلام على ابن السيوطي، فيورد سيرة مفصلة له. في نهايات القرن الخامس عشر، صنّف السيوطي كتابًا صغيرًا في علم الهيئة كان له وقع خطِر على المسيرة العلمية في العالمين العربي والعثماني، هو “الهيئة السَنية في الهيئة السُنية”، وهذا كتاب في الحديث موضوعه علم الهيئة، وليس في علم الهيئة على نهج الفلكيين الرياضيين، وما يُميزه من كتب الحديث المعروفة هو التجميع الموجّه من مصادر متنوعة لأحاديث مروية تخص شكل العالم الطبيعي وظواهره، بما في ذلك تفصيلات تقنية، كالمسافات والأبعاد والألوان.

يسأل عكاش في الفصل السادس، “الإرث السيوطي وانتصار التعصب الديني”، ألم يكن هناك احتكاك بين علمي الطبيعة والدين وأنصارهما؟ ألم تتقاطع يقينيات الهيئة الطبيعية مع يقينيات الهيئة الدينية؟ ألم يوجد فضاء فكري يسمح بالتقويم المشترك؟ لمّا لم يتوان علماء الدين عن تقويم علم الهيئة الطبيعي، فلماذا لم يتطرق الفلكيون إلى مضمون الحديث، ولم يحاكموا يقينياته الدينية استنادًا إلى يقينياتهم التجريبية، خصوصًا أن معظم علماء الهيئة كان متضلعًا من العلوم الدينية؟ ويجيب عن هذه الأسئلة باحثًا في نهج الهيئة الإسلامية.

رصد الهدم
في القسم الثاني، “رصد الهدم”، يناقش عكاش فتوى الهدم وسياقاتها الفكرية والدينية، وتبعات انتشار علم الهيئة الديني وظهور حركات دينية أصولية متشددة وتأثيرها في تطور ثقافة العلم والمعرفة في فترة ما بعد الهدم. ويقدم عرضًا جديدًا للكونيات الإسلامية من أجل بيان محورية فكرة مركزية الأرض فيها وسبب التمسك الإسلامي القوي بها.

ثم ينتقل إلى عرض كونيات الحداثة القائمة على مركزية الشمس وتداعيات التحول للنظام الكوني الجديد. ويرصد بدايات تعرّف العثمانيين إلى مناهج العلوم الحديثة وتواصلهم المعرفي مع أوروبا من خلال التراجم الأولى المتوافرة للنصوص الغربية والنشاط العلمي قبل القرن التاسع عشر بشكل عام، ثم يناقش حركة التنوير العربي وبداية ظهور خطابَي الخلاف والتوافق بين مقتضيات العلوم الطبيعية ومقتضيات العلوم الدينية. وينتهي عكاش في هذا القسم إلى مناقشة إشكالات روايات صعود الغرب من المنظور التأريخي العربي للعلوم، وتداعيات التحولات الفكرية والمنهجية للمركزية الأوروبية الجديدة.

في هذا القسم ستة فصول. في الفصل السابع، “فتوى الهدم: ثقافة العلم والحصانة الشرعية”، يقول عكاش إن المصادر التاريخية نَسبت إصدار فتوى هدم المرصد إلى مفتي السلطنة شمس الدين أحمد بن بدر الدين، المعروف بقاضي زاده، الذي توفي في منتصف عام 1580، أي بعد بضعة شهور فقط من هدم المرصد. يكتب: “إن قرار الهدم يعبّر بالدرجة الأولى عن اعتقاد فقهي – ديني بعدم شرعية الرصد والمرصد، وبحكم منصب قاضي زاده الإداري العالي مفتيًا للسلطنة، فلا بد من أن تعكس فتواه تلك إحساسه بالمسؤولية عن حماية الدين من الاعتقادات والممارسات الخارجة عن حدود الشرع أو الضارة به. لذا، فإن الفتوى بذاتها تجسّد الثقافة العلمية والدينية السائدة في ذلك الوقت، وتبيّن طرائق تفعيل مبادئ الحصانة الشرعية لحماية العقائد الدينية”. ويتكلم عكاش أيضًا على الدين والعقل ومشروعية العلم، التجديد وقيود التقليد.

أرض وشمس وكونيات
في الفصل الثامن، “مركزية الأرض وكونيات ما قبل الحداثة”، يقول الباحث: “ضمن السياق الوسيطي، سعى علماء الدين إلى حماية الأسس العلمية للتصورات الكونيّة القائمة على النصوص المقدسة، ولم يتوانوا عن مهاجمة من خرج عن النهج العام المقرر والمعتمد من العلماء. وهذا أمر طبيعي، لأن كل دين معني بحماية معتقداته والتعصّب لها، كما أنه معني بأن يقدم لمعتنقيه تصورًا منطقيًا لثلاثية الإنسان والعالم والخالق، ورواية مُقنعة عن الخلق والخالق والوجود، وتفصيلًا علميًا للنظام الكوني والطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، وتفسيرًا عقلانيًا مقبولًا لأهداف المشروع الخلقي، والمصير الذي ينتظر أتباعه في الآخرة”.

في الفصل التاسع، “مركزية الشمس وكونيات الحداثة“، يتحدث عكاش عن الثورة الكوبرنيكية قائلًا إن كثيرًا من مؤرخي العلوم اعتبروا نظرية كوبرنيكوس لمركزية الشمس نظرية ثورية، لا بسبب تفصيلات النظرية بحد ذاتها أو لأنها جديدة أو غير مسبوقة فحسب، وإنما لما حفّزته من أفكار وقادت إليه من تغييرات علمية على نطاق أوروبا بأسرها؛ فمصطلح الثورة الكوبرنيكية إذًا لا يخص النظرية ذاتها بقدر ما يخص تداعياتها وما تمخض عنها. يضيف: “أثارت نظرية كوبرنيكوس إشكالات تبرير سقوط الأجسام الثقلية نحو المركز بشاقولية منتظمة، على الرغم من الحركة المزدوجة للأرض وخروجها عن مركز العالم، في حين أنها لم تقدم حلًا لهذا السؤال الطبيعي – الفلسفي العويص الذي استغرق البحث عن جواب شافي عنه نحو مئتي عام بعد كوبرنيكوس، حتى إنجاز تحليلات متعددة لمكانيكية سقوط الأجسام وتقديم نيوتن نظرية الجاذبية”.

تنوير عربي
في الفصل العاشر، “العلوم الجديدة والتواصل المعرفي مع أوروبا”، وبعد عرض سريع للتواصل المعرفي بين الأوروبيين والعثمانيين على مدى قرنين من الزمان، بعد هدم مرصد إسطنبول، يسأل عكاش: ما هي المؤشرات والاستنتاجات التي يمكن أن نخلص إليها عن تطور ثقافة العلم عند العثمانيين والعرب في تلك المرحلة المهمة من تاريخ العلوم الحديثة؟ يقول: “حتى منتصف القرن السابع عشر، حافظ العثمانيون على شعورهم بالتفوق على العالم الغربي، وكانت لديهم السلطة المطلقة والاستقلالية التامة في مؤسساتهم العلمية القادرة على تأمين حاجاتهم العلمية، ولم تكن هناك ضرورة للإقبال على العلوم الغربية، إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا معزولين عن التطورات العلمية في الغرب”.

في الفصل الحادي عشر، “التنوير العربي وتحدّيات المواجهة بين العلم والدين”، يقول المؤلف إن تجربة التنوير الأوروبي رسمت الإحداثيات الفكرية لمحطة الالتقاء الجديدة بين الغرب والشرق، التي ارتكزت في نهجها ورؤيتها على عقلانية إنسانية غير مسبوقة. وألهمت أفكارُ التنوير وقيمه ومبادئه ومنجزاته خيال المفكرين العثمانيين والعرب، وقادت في القرن التاسع عشر إلى حركة تغيير فكري وثقافي شاملة عُرفت بحركة النهضة أو اليقظة العربية. يضيف: “تميّز اللقاء على المستويين الفكري والعلمي في حركة اليقظة العربية بطبيعته التلاحمية، حيث ذابت فيه الهويات المحلية إلى حد كبير؛ فبوساطة النهج الجديد للعلوم الحديثة، اكتسب معظم الأفكار الجديدة آنذاك هوية عالمية، ولم يشكل المصدر الغربي جانبًا إشكاليًا في الحراك الفكري العابر الهويات والثقافات؛ فالانصياع لمعايير العلم الحديث وتحكيم العقل ونبذ التعصب الديني والمناداة بإعلاء القيم الإنسانية كالحرية الفكرية والمساواة والعدالة الاجتماعية… وغيرها من الأفكار التي طرحها التنوير الأوروبي والثورة الفرنسية، أصبح من معالم حركة اليقظة العربية، كما كانت من معالم التنوير الأوروبي”.

إعادة نظر
في الفصل الثاني عشر، “صعود الغرب والمركزية الأوروبية الجديدة”، يسأل عكاش: “ماذا لو أدرك الغرب خطأه واعترف بتقصيره وغيّر منهجه وأعاد كتابة تاريخه العلمي، معطيًا العرب والمسلمين دورهم المشروع في رواية تطور العلوم؟ كيف سيتفاعل المؤرخون العرب حينئذٍ مع هذا التغيير؟ هل سيقتضي هذا تغيير منهجهم في صوغ وسرد رواية العلوم العربية التي تنتهي دائمًا عند المحطة الكوبرنيكية؟ وهل يمكن أن يقود هذا التحول إلى إعادة النظر في مفهوم العلوم العربية؟”. يقول: “بعد النقد الصارم لخطاب الاستشراق والمركزية الأوروبية القديمة، وتفاعل الغرب الإيجابي مع النقد، والسعي إلى تجاوز إشكالاته، ومع تزايد التوثيق التاريخي للاكتشافات العلمية للحضارات الشرقية، وتوافر الرغبة الجدّية لدى كثير من الباحثين والمؤرخين الغربيين لتقديم تفسيرات جديدة للعلاقة العلمية بين الشرق والغرب، ظهر تحوّل ملحوظ في المواقف الفكرية الغربية، أدى، بدوره، إلى تغيير ملموس في مناهج تاريخ العلوم في العقود الأخيرة من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين”.

ويختم عكاش “الخاتمة” التي أرادها لكتابه هذا بالقول: كنا قد طرحنا في الفصل الأخير جملة من الخيارات الجديدة التي يمكن الاستفادة منها في عملية إعادة التمركز العربي في مقابل إعادة التمركز الأوروبي في قراءة تاريخ العلوم وكتابته بأسلوب مغاير لما درجت عليه العادة. ونحن نضيف إليها هنا ثلاثة مبادئ أساس أثبتت نجاعتها في ترسيخ الفكر العلمي في التجربة الأوروبية، وهي: اعتماد الفصل بين القيم الذاتية والحقائق العلمية؛ وإخراج الاعتقادات الدينية من الممارسات العلمية بمساراتها الحداثية؛ وتبنّي كوزمولوجيا الحداثة إطارًا علميًا عامًا للتحديث.

مرصد اسطنبول – هدم الرصد ورصد الهدم: تطور ثقافة العلوم في الإسلام بعد كوبرنيكوس

للمزيد من الكتب زوروا منصة الكتب العالمية

TOP