الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
ربما أردت أن أكون فرنسياً
الكثير من الفرنسيين، ممن نالوا شهرة كبيرة في مختلف الميادين بما في ذلك السياسة، مثل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي تعود أصوله القريبة إلى هنغاريا ــ المجر ــ ورئيس الوزراء الفرنسي الحالي إيماونيل فالس الإسباني حتى سن السابعة عشرة.
. وأمثلة عدة أخرى، هم من أصول أجنبية. ومن بين هؤلاء الكاتب والمفكر اللبرالي الفرنسي الشهير غي سورمان، مؤلف العديد من الكتب التي عرفت الترجمة إلى لغات عالمية عدة، منها اللغة العربية.
وفي كتابه الصادر أخيراً تحت عنوان «ربما أردت أن أكون فرنسياً» يعود غي سورمان إلى التأمّل في مساره الفكري من خلال سيرته، وأيضاً من خلال المسار الذي عرفته أسرته التي قدمت إلى فرنسا من بولندا في مطلع القرن العشرين، ويتعرّض بالتحليل لمسائل الهوية الوطنية الفرنسية ولعمق الاندماج الذي يعرفه المجتمع الفرنسي..
وبالتالي لمسائل الهجرة المطروحة في السياق الراهن. (تجدر الإشارة إلى أن سورمان هو مؤلف كتاب يحمل عنوان «السعادة الفرنسية» كان قد صدر عام 1995 وقد أعرب فيه عن اعتزازه بأنه من مواليد فرنسا).
ينطلق المؤلف في تحليلاته من سياق أحداث الماضي القريب عندما توافدت في عام 2015 موجات من المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط، وخاصّة من سوريا التي تعرف حرباً أهلية مدمّرة منذ ما يقارب الست سنوات، إلى «بوابات أوروبا» بحثاً عن ملاذ يؤمّن لهم ولأسرهم البقاء وسبل الحياة.
ما يؤكّده سورمان هو أن البلدان الأوروبية واجهت أولئك المهاجرين بمجموعة من الحجج الرامية إلى «رفض استقبالهم». وهي «نفس الحجج» التي تمّ استخدامها في عام 1916 حيال أبيه الذي كان قد فرّ من بولندا إلى ألمانيا على خلفية رفضه التعبئة في الجيش الروسي لخوض غمار الحرب العالمية الأولى، ثمّ فرّ من ألمانيا عام 1933 إلى فرنسا هرباً من النظام النازي.
ويشير المؤلف إلى أن قدر الفرار الذي واجهه أبوه لم يتوقف عندها. ذلك أنه وجد نفسه مرغماً على الفرار من باريس إلى إحدى المحافظات الفرنسية الداخلية ــ لوت وغارون ــ للنجاة من الاحتلال الألماني للمدينة. لم تكن تلك محطته الأخيرة، حيث وجد الأب نفسه مرغماً على الفرار من جديد عام 1942 من تلك المنطقة هرباً من ملاحقة الشرطة الفرنسية التابعة لحكومة فيشي المتعاملة مع الاحتلال النازي.
سلسلة الهرب تلك يعرّفها المؤلف ــ الابن، بأنها «قصة حياة إنسان في القرن العشرين طارده المتزمتون التابعون للينين وهتلر وبيتان ــ الجنرال الذي ترأس حكومة فيشي. لكنه جرى بسرعة أكبر من جميع الإيديولوجيات الشمولية ــ التوتاليتارية».
إن غي سورمان يجمع بين مسيرة هرب الأب مرّات متتالية من نيران الحرب وبين «الإرث» الذي تركه للابن، أي المؤلف. ويشير إلى أن السمة الأساسية لذلك الإرث هو إحساسه بأنه لا ينتمي بعمق إلى أي بلد. من هنا بالتحديد كان اختياره لجنسية مزدوجة فهو فرنسي وأميركي. وعلى ضوء هذا الأمر جاء عنوان الكتاب «ربما أردت أن أكون فرنسياً». تلك الـ«ربما» تشير بوضوح إلى «قلق الانتماء».
ويعلن المؤلف رفضه لـ«حالة الرفض القائمة والشائعة كثيراً للآخر، المختلف»، ووصوله إلى القول إنه «لم يعد يتعرّف إلى فرنسا» هذه التي لم تعد تقبل أي اختلاف من قبل «الآخرين» البعيدين بغالبيتهم العظمى عن الرؤية المتزمتّة للعالم. والإشارة أن الفرنسيين من أصول أجنبية، مثله، أحبوا فرنسا من دون أي تحفّظ. ولعلّ التوصيف الأكثر مناسبة لهذا الكتاب هو التأكيد أنه نشيد في «مديح التنوّع».
وما يؤكّده سورمان بأشكال مختلفة، هو أن طرح مثل هذه المسألة للنقاش هو في صميم دور «المثقفين» فيما هو أبعد من البحث عن الوصول إلى كسب «سلطة ما»، أو الاقتراب من مراكز القرار. الأمثلة التي يقدّمها من الواقع القائم ــ وبالأسماء ــ عدة على ذلك «البحث عن الوصول». ويعتبر أن مثل هذا «الجنوح» لدى المثقفين الفرنسيين وابتعادهم عن دورهم في الرصد والكشف والنقد هو في «صميم التقاليد الفرنسية» منذ القديم حتى اليوم.
ولا يتردد غي سورمان في هذا السياق، عن الإعراب عن خيبة أمله، لكن دون الوصول إلى حد «القطيعة» مؤكّداً أن فرنسا لا تزال بلاده. لكن ذلك لا يمنعه من امتلاك «عقل نقدي» حيال ما تبديه من مواقف لا تتماشى مع المبادئ المعلنة منذ الثورة الفرنسية حيال «الآخرين».
ويؤكّد غي سورمان أن التميّز الكبير لفرنسا يكمن في «التعددية الثقافية» وفي حق الاختلاف والتنوّع، وأن ذلك كان مصدر قوتها خلال مسارها التاريخي الحديث. من هنا يعترف المؤلف أن أحداث السنوات الأخيرة «هزّته من أعماقه». وهو يؤكّد في هذا الصدد أنه أحبّ دائماً فرنسا كما «رآها» و«على طريقته»، مثل بقيّة الفرنسيين من أصول مهاجرة.
تكدّس
يشرح المؤلف أن من خصوصيات المهاجرين الأوائل، وأبناء الهجرة فيما بعد، أن لهم «تكوينهم» المتراكم في ما يتعلّق بالهوية. ويتحدث هنا عن «هويات وذاكرات تتجاور وتتكدّس» لتمثل نوعاً من الفرق الذي لا يقبل فيه المجتمع الفرنسي. بل «يُطلب من المعنيين التخلّي الكامل والشامل والنهائي عن تلك الهويات والذاكرات».
المؤلف في سطور
غي سورمان، كاتب ومفكر ليبرالي فرنسي. نال شهرة كبيرة على الصعيدين الفرنسي والعالمي. يحمل الجنسيتين الفرنسية والأميركية، ويقيم في الولايات المتحدة.
قدّم سلسلة من الكتب عرفت الكثير من الاهتمام، وتمّت ترجمة قسم كبير منها إلى عدّة لغات أجنبية. من بينها «الثورة المحافظة» و«السعادة الفرنسية» و«أبناء رفاعة»، المقصود رفاعة رافع الطنطاوي و«الاقتصاد لا يكذب».. الخ.
https://old.booksplatform.net/ar/product/facing-armageddon/
This post is also available in: English (الإنجليزية)