الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
السيطرة على الإعلام: الإنجازات الهائلة للبروباجندا
تمت ترجمة هذا الكتاب بواسطة مكتبة الشروق الدولية
يتناول نعوم تشومسكي فى كتابه الهام “السيطرة على الإعلام: الإنجازات الهائلة للبروباجندا” دور وسائل الإعلام في تضليل الجماهير أو ما سماه بالقطيع الضال ومحاولة جعلهم دائماً في مقاعد المشاهدين لا في مقعد الصانعين.
يستدل بأمثلة كثيرة علي صناعة الإرهاب من جانب القوة الغاشمة أمريكا وإسرائيل وكيف يتم إخفاء المعلومات بل والتعامل مع أي ثورة ضد هذا النمط الفاشي يتناول أيضاً تعريف الإرهاب والديموقراطيه في عصور الحرية الامريكية.
يبدأ تشومسكى فى بيان أثر الدعاية والبروباجندا السياسية على نوعية الديمقراطيات الموجودة فى العالم وهل هى ديمقراطية حقيقية تقوم على امتلاك الشعب لقنوات المشاركة الفعالة فى عملية الحكم والإدارة وما يتتبع ذلك من قنوات إعلامية حرة وغير موجهة. أم هى ديمقراطية الواجهة أو الديمقراطية الشكلية التى تكون فيها وسائل الاعلام مخترقة من قبل السلطة الحاكمة تبث من خلالها ما يدعم وجهات نظرها وتقنع الجمهور بأن القرار الذى يتخذه صانع القرار إنما هو ذاته ما يريده الجمهور من خلال بث صورة مغلوطة عن وقائع الأحداث تترسخ فى ذهن الجمهور المتلقى فتتشكل قناعاته على النحو الذى يريده صانع القرار.
ويضرب المؤلف مثلاً لذلك بما حدث فى إدارة الرئيس ويلسون الذى انتخب رئيساً للولايات المتحدة عام 1916 أى تقريباً فى منتصف الحرب العالمية الثانية وكان الشعب الأمريكى رافض لفكرة الدخول فى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل إلا ان ويلسون كان له التزاماته الخاصة تجاه اوروبا المنخرطة فى الحرب فما كان منه إلا إنه أنشأ إدارة للدعاية الحكومية أثارت الرأى العام الامريكى ضد ما سمى آنذاك بالخطر الألمانى وبعد انتهاء الخطر الالمانى وإزاء هذا النجاح الباهر للآلة الإعلامية تم توجيها إلى قضايا أخرى مثل قضية الخطر الشيوعى الأمر الذى ساهم فى القضاء على العديد من الاتحادات العمالية آنذاك وبعد انتهاء الخطر الِشيوعى كان لابد من توجيه الآله الإعلامية نحو خطر أخر فكان الخطر الإسلامى وما تبعه من حروب فى افغانستان ضد طالبان والعراق ضد أسلحة الدمار الشامل خاصة صدام حسين وفى ليبيا وسوريا ضد داعش هذا الخطر الإسلامى الذى دعا بالرئيس الجديد للولايات المتحدة دونالد ترامب إلى إصدار تشريع جديد خاص بالهجرة يمنع دخول رعايا سبع دول اسلامية من الدخول إلى الأراضى الأمريكية.
وكنتيجة لنجاح الآلة الإعلامية فى توجيه الرأى العام تحولت الديمقراطية من ديمقراطية مشاركة إلى ديمقراطية مشاهدة حيث ان المصلحة العامة لا يمكن ان يمفمها عامة الناس وانما تحتاج إلى رجال مسؤلين كما يسميهم والتر ليبمان احد منظرى الديمقراطية الليبرالية، هؤلاء الرجال المسؤلين هم النخبة العاقلة القادرة على إدارة الامور بالحنكة المطلوبة ومن هنا نجد تقارب شديد بين الديمقراطية الليبرالية والنظرية الماركسية الليننية فلينين هو الاخر امن بضرورة استيلاء طلائع المفكرين الثورين على السلطة ثم دفع الجماهير الغبية الدهماء باتجاه مستقبل غير مؤهلين او قادرين على تصوره وهى الرؤية نفسها التى يؤمن بها ليبمان حيث يرى انه فى اى مناخ ديمقراطي سليم لابد ان يقسم الناس الى طبقات، الطبقة الاولى هى طبقة المواطنين القادرين على النهوض الاعباء العامة وهى الطبقة التى يجب ان تتملك وسائل توجيه الرأى العام، اما الطبقة الثانية فهى طبقة يطلق عليها لا لقطيع الحائر او الضال وتلك الطبقة لها وظيفتان الوظيفة الولى هى وظيفة المشاهدة لا المشاركة اما الوظيفة الثانية فتتمثل فى السماح لتلك الطبقة بأييد احد افراد طبقة النخبة المسؤلة عن الحكم عن طريق الانتخابات اذ انه لابد من الحفاظ على فكرة ان النظام ديمقراطى من خلال نافذة الانتخابات.
اما فيما يخص العلاقات العامة فيرى تشومسكى انها مخترقة من قبل جماعات رجال الاعمال الذين دأبوا على تكسير الحركة العمالية بعد ان حصلوا من الكونجرس على قانون حق التنظيم او قانون واجنر عام 1935 وكان ذلك بمثابة خروج عن النص بالنسبة للقطيع المفروض فيه سلفا انه يشاهد الديمقراطية لا يمارسها. وكان لابد من تحرك لاعادة الامور الى نصابها فكان اضراب عمال الحديد فى غرب بنسلفانيا بجزيرة تاون عام 1937 وهنا اشتغلت الالة الاعلامية بكامل طاقتها من اجل تشوية ذلك الاضراب وتصوير المضربين على انهم مخربون رافضين للهوية الامريكية الشىء نفسه حدث خلال حرب الخليج الثانية عندما رفع الاعلام الامريكى شعار “ادعم قواتنا” وهو شعار أجوف خالى من كل معنى فأمر طبيعى ان يدعم اى امريكى وطنى قوات بلاده وبالتالى كان مفروضا على الجمهور الامريكى ان يقبل الحرب لا لانه يعرف دوافعها او اسبابها او حتى حجم المخاطر او ما يمكن ان يكسبه او يخسره من وفى تلك الحرب فقط يجب عليه ان يدعم قواته.
واذا ما كانت الدعاية الاعلامية توظف لتهيئة الداخل لقبول السياسة الخارجية التى تنتهجها الدولة مع غيرها من الدول. تستخدم الدعايا أيضا فى التعتميم على مشكلات الداخل من خلال استدعاء عدو خارجى متربص ومنتظر لحظة الهجوم فإذا ما كانت الولايات المتحدة تعيش فى حالة اقتصادية متدهورة نوعا ما وفقا للمعطيات الامريكية وإذا ما كانت تتزايد فيها معدلات الجريمة واذا لم يكن لصناع القرار المتعاقبين على الادارة الامريكية القدرة على مواجهة تلك المشكلات فلابد من توجيه الرأى العام إلى خطر أو عدو خارجى يشغل انتباههم مرة باستخدام نازية هتلر وأخرى بالتلويح بالخطر الأحمر وثالثة برفع راية الخطر الاخضر “المقصود هنا الخطر الإسلامى”.
كما تلعب الالة الدعائية دوراً كبيراً فى مسألة ازدواجية المعايير الأمريكية فالإعلام الامريكى كان حريص أشد الحرص على إظهار كاسترو حاكم كوبا بصورة الدكتاتور الوحشي من خلال إبراز أحد معتقلى نظام كاسترو وتصويره فى صورة الضحية فى حين ان الاعلام الأمريكي غض الطرف عن وقائع تعذيب وقمع حدثت فى مواقعى اخرى ومن قبل انظمة غاية فى الشمولية فقط لانها مدعومة من قبل النظام الامريكى وتعمل لخدمة الاستراتيجية الامريكية ففى حين تعامل الرأى العام الامريكى بمنتهى الرقة والشفقة تجاه معتقلى كاسترو لم يلقوا بالا لجرائم الولايات المتحدة فى فيتنام او العراق وغيرها الكثير والكثير ذلك ان الرأى العام الامريكى غير قادر على الالمام بالأحداث جميعها فصانع القرار يقدم ما يريد تقديمه كما يراه هو وليس كما يحدث.
مفهوم القوة يعتبر أحد المفاهيم الشائكة فى العلوم السياسية من حيث تعدد انواعها والوسائل المستخدمة فى تطبيقها غير ان الولايات المتحدة لا تعرف غير قوتها هى وهى القوة الحسنة او المبررة فالقوة الامريكية دائما ما تستخدم لبث الديمقراطية وفرض النظام واستئصال ورم الارهاب السرطانى وذلك من وجهة نظر الميديا الامريكية فعندما تستخدم الولايات المتحدة القوة ينحصر دور الميديا فى اثارة جدلية حول التكتيكات المستخدمة لفرض تلك القوة وليس عن اسبابها او دوافعها او عدالة القضية كما كان هو الحال فى السلفادور وغيرها من دول امريكا اللاتينية، اذا الى قضيتنا فالقوة اذا ماكنت فى خدمة المصالح الامريكية فهى مبررة ونمقبولة اما اذا كانت ضد المصالح الامريكية فهى تعد ارهابا صريحا لذلك لا تجد الميديا الامريكية حرج اذن من ان تملأ الدنيا صخباً حول “الإرهاب” الذى تمارسه حركة طالبان مع العلم ان اولئك المجاهدين “الإرهابيين” هم ذاتهم الذين تم تدريبهم من قبل القوات الخاصة الامريكية فى الثمانينيات من أجل مواجهة الخطر السوفيتى،كذلك لا عجب من ان تجد شركاء امريكا اليوم فى مواجهة الارهاب من اكثر الدول ممارسة للإرهاب فجرائم روسيا فى الشيشان ظاهرة لا تخفى على أحد وحدث ولا حرج عن جرائم اسرائيل فى الجنوب اللبنانى وفلسطين.
المشكلة تكمن فى كيفية التعاطى مع ظاهرة الارهاب وايجاد تعريف مناسب للمفهوم، فالارهاب وفقا لما ورد فى قانون الجيش الامريكى هو: الاستخدام المحسوب للعنف او التهديد باستخدام العنف لتحقيق اهداف سياسية او دينية او ايديولوجية من خلال التخويف وادخال الذعر والاجبار” بناء على هذا التعريق يحق لنا التساؤل اين توجد صعوبة تعريف مفهوم الارهاب فالارهاب بهذا المعنى مفهوم سهل الفهم والتعريف، ويجيب تشومسكى على تلك الاشكالية بالقول بأن هذا الارهاب يقدم كل الاجابات الخاطئة بشأن من هم الارهابيون لانه اذا طبق هذا المفهوم ستكون الولايات المتحدة زعيمة الارهاب فى العالم، لك كان ضروريا البحث عن مفهوم أخر اكثر تعقيدا يقدم اجابات صحيحة ليصبح الارهاب هو الارهاب او القوة الممارسة ضدنا نحن ونحن فقط قادة هذا العالم وحاملى مشاعل نهضته.
خلاصة القول ان عالم تحكمه القوة لا القانون او بعبارة اخرى قانون القوة، وفى مناخ مملوء عن اخره بازدواجية المعارير والكيل بمكيالين وفى حالة وجود ضبابية فى الرؤية وغياب للشفافية والمصداقية لابد ان تكون للميديا الاعلامية دور رئيسى فى قلب الحقائق وتعبئة الجمهور لتأييد الباطل كما لو كان حقاً، فأبشع الجرائم ارتكبت باسم الديمقراطية وكم من حقوق انتهكت بدعوى المحافظة على حقوق الإنسان.
للمزيد من الكتب، اضغط هنا
This post is also available in: English (الإنجليزية)