الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
خارج المكان
هذا الكتاب قصة استثنائية عن المنفى وسرد لارتحالات عديدة واحتفال بماضٍ لن يستعاد.
عام 1991، تلقى إدوارد سعيد تشخيصاً طبياً مبرماً أقنعه بضرورة أن يُخَلّف سجلاً عن المكان الذي ولد وأمضى طفولته فيه.
في هذه المذكرات، يعيد إدوارد سعيد اكتشاف المشهد العربي لسنواته الأولى: “أماكن عديدة زالت، وأشخاص عديدون لم يعودوا على قيد الحياة… باختصار، إنه عالم قد اندثر” فقد طرأت على ذلك المشهد تحولات عديدة إذ تحوّلت فلسطين إلى إسرائيل وانقلب لبنان رأساً على عقب بعد عشرين سنة من الحروب الأهلية، وزالت مصر الملك فاروق الكولونيالية إلى غير عودة عام 1952.
يُحيي هذا الكتاب عالماً يصعب تخيله من الشخصيات الفنية الجذابة. إنه نص غنائي وجميل الصنعة، يبلغ أحياناً درجات عالية من الصراحة بقدر ما هو، في الآن ذاته، حميم ومرح.
ويكشفإدوارد سعيد فيه دقائق ماضيه الشخصي، ويستعرض لنا الأفراد الذين كوّنوا شخصيته ومكّنوه من أن ينتصر ليصبح واحداً من أبرز مثقفي عصرنا.
لسيرة الذاتية كما تحب أن تقرأها. تمشي بمحاذاة ذاكرة لا تملكها لكنها تثير فيك التساؤلات والأفكار وأفآق لايمكن تجاوزها بسهولة، ذلك لأنك تشاهد سير حياةٍ أخرى على الورق لشدة واقعيتها ستشعر أنك أمام مشاهد سينمائية ثلاثية الأبعاد.
حسنًا، تنقلت برفقة إد من لحظة ميلاده والسبب الغير واضح لتسميته فإدوارد كان إدوارد لأن وارث العرش البريطاني الذي لمع نجمه آنذاك عام 1935 كان إدوارد.
إلى إدوارد في بلاد العرب، وهذا أشبه بفهد أو خالد في الولايات المتحدة. من هنا خرج إدوارد عن حدود المكان بشكل لم يفهمه على الإطلاق، خروجه المتكرر والمبهم عن أصله ولغته وموطنه وانتماءته ومحاولات والديه المستميته في أمركته أحيانًا وعجنه بالعادات الإنجليزية أحيانًا أخرى وخلطه قدر المستطاع بأناس محددين مسبقًا جعل منه إدوارد المتمرد المشاغب الذي لايفهم أحد ويكتفي بسيمفونية لبتهوفن أو مسرحية لشكسبير للتواصل مع عائلته وأصدقائه ومع هذا العالم المتشابك المعقد من حوله،
أما عن القاريء فإن فطنته لن تعينه لمعرفة أي خروج بالضبط ذاك الذي أرّق إدوارد وجعله يفكر ذات أمسية والسرطان يعبث في دمه بكتابة هذه السيرة والتنقيب عن ماضٍ وأشخاص تركوا بالغ الأثر على مجرى حياته منذ الطفولة حتى الشيوخة.
الإرتحال سمة حياة إدوارد سعيد، فبين فلسطين والقاهرة ولبنان وأمريكا عاش متنقلًا بأصدقاء غير ثابتين بأسلوب معيشة مختلف من مكان لآخر أغلب الأحيان فرفاهية القاهرة يلغيها تقشف ضهور الشوير في لبنان.
طفولة إدوارد وهي التي أسهب في الحديث عنها ربما لأن الذاكرة تسنده أكثر في هذا الإتجاه، كانت سنوات أولى مربكة فالإرتحال المكاني لم يقتصر على إقامته بل مدارسه الأمريكية والإنجليزية التي درس فيها أيضًا،
و تعدد الهويات والأديان التي عاش تحت مظلتها فيقول: ” كنت أتمنى بشكل محموم لو أننا جميعًا عرب كاملون أو أوربيون أو أمريكيون كاملون أو أرثوذكسيون كاملون أو مسلمون كاملون أو مصرين كاملون” .
فقد كان إدوارد يحمل اسما انجليزيًا بملامح عربية، وجنسية فلسطينية بديانة مسيحية، ونمط حياة أمريكية على الأراضي المصرية.
عرّاب إدوارد كانت والدته “هيلدا” الذي كان تواقًا لحنانها وكانت السلطوية التي تحب أن تقحم نفسها بين أفراد عائلتها بعضهم البعض، في حديثه الحاني عن أمه تتجلّى أسمى سمات الأم ومدى قدسية وخصوصية مايربط بينها وأبنائها.
أما والده وديع فقد كان تاجرًا بارعًا في مجاله، ورياضيًا لم يستطع إدوارد مجاراته. علاقتهما باردة تقوم على التدليل والضرب المبرح في آن، الإهانة والتحفيز في آن، الكرم والحرص الشديد في آن”
كتب إدوار بشفافية لايمكن مجاراتها بسهولة، وذاكرة حديدية تتذكر الأحداث والألوان والأسماء والأرقام والشعور الوقتي حينها وتأثيرها المستقبلي عليه، كتب بفطنة وذكاء حادين وعاطفة جياشة. كتب ليقول كنت هناك وهذا كل ماحدث، يقول في كتابه:
“أن الدافع الرئيسي لكتابة هذه المذكرات، هو طبعا حاجتي إلى أن أجسّر المسافة، في الزمان والمكان، بين حياتي اليوم وحياتي بالأمس. أرغب فقط في تسجيل ذلك بما هو واقع بدهيّ دون أن أعالجه أو أناقشه”
السياسة شكلت لغزا في حياة إدوارد، لم تكُن حديثًا دارجًا في أوساطه غير أن عمته نبيهة ناشطة فلسطينية في مصر قدمت الكثير من الدعم للاجئين الفلسطينين هناك، فكان لها عظيم الأثر على حياة إدوارد السياسية.
فقد كان مدافعا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وقد وصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
اهتم إدوار بالموسيقى وأبعادها الثقافية والسياسية منذ طفولته وكان عازف بيانو بارعًا وتأثر في هذا الجانب ببتهوفن وفاغنر وباخ وموتزارت، كما وجد نفسه قارئًا مثقفًا وإنعزاليًا متوجسًا في كثير من محطات حياته.
” استغرق تأليف الكتاب خمس سنوات وكتبه خلال فترة مرضه وعلاجه من مرض سرطان الدم. وهو سجل لعالم مفقود أو منسي.. شعر بلحظة مرضه بضرورة وأهمية أن يُخلف سيرة ذاتية عن حياته التي عاشها وعلاقته بالأشخاص الذين عاشروه.. إنها لعبة الذاكرة التي مكنته – ربما – من مقاومة المرض. إن كتابة المذكرات أشبه بتفريغ الماضي من داخلنا.. وذرف دموع الحزن على زمنٍ لن يُستعاد! والدافع الحقيقي والرئيسي الذي جعل ادوارد سعيد يكتب هذه المذكرات.. هو حاجته إلى أن يُجسر المسافة في الزمان والمكان بين حياته اليوم وحياته بالأمس. “
حاز هذا الكتاب على العديد من الجوائز ومنها: جائزة نيويوركر لفئة غير الروايات سنة 1999 وحصل في سنة 2000 على جائزة كتب أنسفيلد ولف لنفس الفئة، وجائزة مورتن داوين زابل للأدب.
خارج المكان
للمزيد من الكتب
This post is also available in: English (الإنجليزية)