الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
لا يهمّ، أبناؤنا سيدفعون
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية في ربيع العام القادم 2017 يحتدم النقاش في فرنسا حول ما ستؤول إليه البلاد من الناحية الاقتصادية، وما سوف يجني الفرنسيون من نتائج حول هذا الصعيد.
هذا خاصّة أن هذه الانتخابات القادمة ستجرى، كما يدلّ العديد من المؤشرات، في ظل منافسة قويّة سيكون أولئك الذين يطلقون عليهم «الشعبويين» من اليمين واليسار إحدى القوى الفاعلة، وربما الحاسمة، فيها.
والإعلامي الاقتصادي الفرنسي البارز «فرانسوا لونغلييه»، مدير التحرير الاقتصادي في قناة «بي ام إف» التلفزيونية الفرنسية، يؤكّد أن المسائل الاقتصادية ستكون في صميم رهانات الانتخابات الفرنسية الرئاسية القادمة.
وهذا ما يشرحه في كتابه الصادر قبل أسابيع قليلة ــ في بداية شهر سبتمبر 2016 والذي يحمل عنوان:«لا يهمّ، أبناؤنا سيدفعون». وهو يثير في هذا الكتاب الكثير من المسائل التي تدور حولها الكثير من النقاشات في المجتمع الفرنسي اليوم.
إن «لونغلييه» يشرع بداية برسم صورة «قاتمة» للواقع الاقتصادي الفرنسي ولنتائجه الاجتماعية. الملامح الرئيسية للصورة التي يرسمها تكمن في «انهيار الطبقة الوسطى» و«انخفاض الثروة بالنسبة للفرد الفرنسي» و«واستمرار، بل واستفحال، ظاهرة البطالة التي تصيب الشباب خاصّة»، و«أزمة الهجرة والمهاجرين» وما رافقها من «الإحساس بغياب كبير للأمن» بعد سلسلة الأعمال العدوانية والتفجيرات التي شهدتها فرنسا وذهب ضحيتها عشرات الأبرياء.
وعلى مدى صفحات هذا الكتاب يقوم «فرانسوا لونغلييه» بنوع من «تشريح» ما يسميه «أوهام الجيل الليبرالي الذي يهيمن على السلطة». ذلك مهما تغيّر معسكر قادته من اليمين ممثلاً برئاسة نيكولا ساركوزي أو اليسار الذي ينتمي له الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند. وفي الحالتين ظهر «عجز كبير على الصعيد الاقتصادي».
هذا مع تحديد المؤلف القول: «إذا كانت طرق الرئيسين هولاند وساركوزي تتماثل فإن الخطوط الأساسية لسياساتهما متقاربة جدا أيضا». ذلك على صعيد «خفض قيمة العمل».
ويشرح أن الرئيسين، الحالي والسابق، كانت «كارثية بالنسبة لمستقبل البلاد. ذلك أنهما ساعدا العمل قليل التأهيل وزادا بالمقابل من الضرائب على العمل ذي التأهيل العالي». وبالنتيجة قامت فرنسا بـ«تصدير مواهبها وأثريائها» إلى الخارج.
يشرح المؤلف أن النزعة القومية والتمسّك بها تعني لكُثر من الفرنسيين من حيث مدلولها الاقتصادي على المدى المنظور «رغبة استعادة السيطرة على المصير الاقتصادي للبلاد». وهذا بالتحديد ما ترفعه قوى متطرّفة ــ لغايات انتحابية ــ لم تعد الحكومات قادرة على توقيف صعودها.
بالتوازي مع ذلك وجدت الأحزاب التقليدية أنها مدفوعة للاقتراب من تلك الشعارات. هذا في الوقت الذي يؤكّد فيه المؤلف أنه من المطلوب تبنّي إجراءات «أكثر فاعلية» من أجل تحقيق «مستقبل أقلّ قتامة» بالنسبة لفرنسا. هذا ويحدد القول في هذا السياق أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية في ربيع عام 2017 يمكن أن تشكّل «حظّا»، بل وربما «حظّا أخيرا». ويضيف لأنه إذا لم يتمّ الاستفادة من هذه الفرصة فـ«لا يهمّ، أبناؤنا سيدفعون»، كما جاء في عنوان هذا الكتاب.
ويعتمد المؤلف بشكل أساسي في شرحه للتحديات التي تواجهها فرنسا، وأبعد منها المنظومة الرأسمالية بشكل عام، على العديد من الوثائق والأرقام. هكذا يشير مثلاً أنه بين عام 2007 وعام 2013 حققت فرنسا نموّا اقتصاديا بمعدّل 8 بالمئة.
وكثير من الأرقام ذات الدلالة البليغة على صعيد البطالة التي تضرب نسبة تقارب الـ10 بالمئة من القادرين عن العمل في فرنسا منذ سنوات. هنا أيضا تتم الإشارة إلى أن مناطق فرنسية تعاني أكثر من غيرها بالنسبة لهذا الوباء مثل: شامبان اردين ورون آلب.
ويشرح المؤلف أن التباين في المعاناة من البطالة لا يخص المناطق فحسب، ولكن أيضاً فئات المعنيين بالعمل. هكذا يشير المؤلف أن نسبة 20 بالمئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة يعانون من الفقر. ذلك يعادل ثلاثة أضعاف بالقياس إلى شريحة الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 إلى 69 سنة.
وتدل الأرقام المقدّمة أيضا أن 200000 يخرجون من المنظومة المدرسية دون الحصول على الشهادة الثانوية، أي نسبة 25 بالمئة من من الذين يدخلون في السنة الأولى من تلك المنظومة.
بالتوازي مع ذلك، يشير لونغلييه، أن المساعدات الاجتماعية تعاظمت في دخل الفرنسيين من نسبة 30،6 بالمئة عام 2007 إلى 34،9 بالمئة عام 2014. بالوقت نفسه تناقص عدد ساعات العمل لدى الفرنسيين.
تتم الإشارة في هذا الإطار إلى أن معدل عمل الفرد الأميركي في السنة هو 800 ساعة مقابل 700 بالنسبة للبريطاني و600 ساعة فقط بالنسبة للفرنسي.
بالاعتماد على هذه المعطيات والكثير غيرها، يصل المؤلف إلى نتيجة أساسية مفادها أن مستوى معيشة الفرد الفرنسي تراجع بالقياس إلى الفرد الألماني. ويحدد المؤلف أنه خلال سنوات 2006 ــ 2013 تحسّن مستوى معيشة الفرد الألماني بنسبة 7،5 بالمئة قياساً إلى مستوى معيشة الفرد الفرنسي.
والإشارة أنه في فترة 2001 ــ 2015 حقق إجمالي الإنتاج الداخلي الفرنسي معدّل نمو بنسبة 15 بالمئة بينما تقدّم إجمالي الإنتاج الداخلي البريطاني بنسبة 26،5 بالمئة ونسبة 29 بالمئة في الولايات المتحدة الأميركية.
المؤلف في سطور
بدأ فرانسوا لونغلييه، مؤلف هذا الكتاب، مساره الإعلامي كمختص في مجال الصحافة الاقتصادية. ثمّ غدا أحد الوجوه الشهيرة في المشهد الإعلامي الفرنسي كمدير لقسم الأعمال في القناة التلفزيونية الفرنسية «بي إف ام» ثم كأحد مديري القناة التلفزيونية الفرنسية الثانية.
https://old.booksplatform.net/ar/product/birds-nest-soup/
This post is also available in: English (الإنجليزية)