الوصف
This post is also available in: English (الإنجليزية)
لماذا يكذب القادة
يبدأ الباحث الأميركي جون ميرشيمر كتابه ” بتقديم تعريفين واضحين لمفهومي الصدق والكذب اللذان يقصدهما في كتابه، فيقول إن قول الصدق هو أن (يعرض الفرد الحقائق على أتم وجه وبطريقة مباشرة وأمينة)، أما الكذب فيعرفه بأنه (عندما يتحدث الإنسان بمقولة يعرف أو يشك في عدم صحتها، ولكنه يأمل أن يظن الآخرون أنها حقيقة، فالكذب هو فعل مخطط لخداع جمهور معين، وقد يتضمن الكذب تأليف حقائق يدرك مؤلفها أنها غير حقيقية، أو انكار حقائق يعرف أنها صحيحة).
ويلفت المؤلف نظر القارئ إلى أن فكرة التحايل أو التلفيق، تبدو قريبة جداً من الكذب، رغم أن المتحايل أو الملفق لا يدلي بمعلومات خاطئة، فمن الممكن أن يختار الفرد أن يذكر بعض المعلومات الصحيحة وأن يسكت عن معلومات أخرى، وهذا لا يدخله في دائرة الكذب، ولكنه في الوقت نفسه يخرجه من دائرة الصدق، ولهذا فإن القضاء الأميركي يلزم الشهود في المحكمة، بأن يؤدوا القسم الذي يتعهدون فيه بقول (الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة)، فبتلك الشروط والمحددات الثلاثة يمكن التأكد من عدم تحايل الشاهد.
ويرى ميرشيمر أن إخفاء جزء من الحقيقة في بعض الأحيان، قد يؤدي إلى خداع على نطاق واسع، فمثلاً، قبيل بدء الحرب الأميركية على العراق في عام 2003، قامت السلطات الأميركية باستجواب إثنين من كبار قادة تنظيم القاعدة، وهما خالد شيخ محمد وأبو زبيدة، وأدلى الاثنان بمعلومات تؤكد أن صدام حسين كان على وشك عقد تحالف مع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ضد أميركا، ولكنه تراجع عن تلك الفكرة في نهاية الأمر.
تم التحايل والخداع هنا، عندما قام الرئيس الأميركي جورج بوش الابن وموظفوه بإعلان أمر التحالف ما بين القاعدة والعراق، واتخذوا منه ذريعة للحرب، ولم يذكروا أن التحالف كان مجرد مشروع لم يتم ولم يتحقق على أرض الواقع، وأدى ذلك التحايل المتعمد إلى الحصول على دعم شعبي ونيابي كبير للحرب على العراق.
قائمة بالأكاذيب الدولية
يرى ميرشيمر أنه وفي إطار السياسة الدولية، فإن قادة الدول يمتلكون القدرة على اختلاق أنواع مختلفة ومتعددة من الأكاذيب التي يختص كل منها بغرض محدد، كما أنه قد تفيد كذبة واحدة في التأثير على عدد مختلف من الأغراض السياسية.
ويذكر المؤلف أن هناك خمسة أنواع مهمة من الأكاذيب الاستراتيجية التي تستخدمها الأنظمة السياسية ضد بعضها وضد شعوبها، وهي (الكذب بين الدول، واثارة الذعر، والتغطيات الاستراتيجية، وصناعة الأساطير القومية، والأكاذيب الليبرالية)، ويتعرض ميرشيمر لكل واحدة من تلك التكتيكات الخمسة في فصل مستقل من فصول كتابه.
الكذب بين الدول
يرى ميرشيمر أن الأصل في علاقة الدول ببعضها البعض هو الصدق، وأنه في القليل من الأحيان تتحول العلاقة إلى الكذب، أو إلى الكتمان والإخفاء إن شئنا تحري الدقة.
ويؤكد المؤلف أنه لا يبني رأيه على الأحداث التي وردت في السجلات التاريخية، لأنه (من غير الممكن قياس عدد المرات التي كذب فيها رجال الدولة والديبلوماسيون بعضهم على بعض)، ولكنه يبني رأيه على اعتبارين رئيسيين هما: الاعتبار الأول، وهو أن هناك صعوبة بالغة في الحصول على أمثلة لحكام يكذب بعضهم على بعض. أما الاعتبار الثاني، فهو أن خداع قادة دول أخرى أمر بالغ الصعوبة، ولا يمكن أن يتحقق بسهولة، فالعلاقة بين الدول وبعضها البعض لا تقوم على حسن النوايا أو الثقة المتبادلة بل إنها مبنية على الشك والارتياب. فعندما تقول إيران مثلاً إنها قد توقفت عن تطوير برنامجها النووي فإن أميركا لن تصدق ذلك بسهولة، بل سترسل مفتشي هيئة الطاقة الذرية للتأكد والتفتيش الدقيق قبل أن تصدق ما قيل لها.
ويعبّر ميرشيمر عن ذلك بقوله: (إذا شعر الكل بأن الرؤساء يكذبون، فلن يصدقهم أحد بعد ذلك، وهذا ثمن غال لا يمكنهم تحمله، فالكذب يكون فعالاً فقط عندما يعتقد الضحية المخدوع أن ما يقوله الكاذب هو الحقيقة، وبناء على ذلك، لا بد أن تتوافر أسباب مقنعة للقادة ليقتنعوا بأنهم ليسوا مضللين، مما يعني أنهم لا يكذب بعضهم على بعض بشكل مستمر، وإلا أصبح سلاح الكذب غير مجدٍ).
لماذا تكذب الدول على بعضها البعض؟
يرى المؤلف أن من المنطقي أن تكذب الدول على بعضها البعض، وذلك في حالة تعرض مصالحها للخطر، ويعدد ميرشيمر الأنواع المختلفة من الأكاذيب التي تلجأ إليها الأنظمة السياسية كما يلي:
النوع الأول، وهو أن يبالغ قائد الدولة في تصوير قوة دولته، والهدف من ذلك هو ردع العدو قبل أن يقوم بأي هجوم محتمل ضده.
ومن ذلك ما قام به هتلر في ثلاثينيات القرن العشرين، عندما أشاع أن قوة الدفاع الألمانية (فيرماخت)، قد وصلت إلى مرحلة عالية من التسليح، بغية ردع كل من إنجلترا وفرنسا عن التدخل ضده أو إعاقة مشاريعه التوسعية التي كان في ذلك الوقت تحديداً يعد العدة لها.
وكذلك ما قام به الزعيم السوفياتي ستالين عقب حملة تطهير الجيش الأحمر، فقد عمل على نشر دعاية كاذبة تضخّم من قوة جيشه، خشية أن تتجه صوبه القوات النازية.
ومن ذلك أيضاً، ما قام به الزعيم السوفياتي خروتشوف)، عندما أطلقت قواته صاروخها الباليستي الأول، في عام 1957، فرغم تفوق أميركا في ذلك الحقل، إلا أن خروتشوف قد روج أن الاتحاد السوفيتي يمتلك قوة صاروخية هائلة، مما أقلق الأميريكيين وساهم في ردعهم.
النوع الثاني، وهو أن تقلل الدولة من حجم قوتها، في محاولة لإخفاء تلك القوة عن أعين أعدائها خوفاً من أن يأخذوا حذرهم أو يدمروا تلك القوة في بدايتها.
من الأمثلة على ذلك، أن قادة البحرية الألمانية قد روجوا أن أساطيلهم ليس لها غرض سوى الأغراض الدفاعية فحسب، وأنهم لن يستخدموها إلا في الأغراض التجارية، وكان هدفهم من تلك التغطية، إبعاد أنظار الجارة البريطانية المتحفزة.
وكذلك إخفاء إسرائيل برنامجها النووي عن الحليفة الأميركية، وذلك حتى لا يتم إجبارها على النكوص والتراجع عن المضي قدماً في سبيل استكمال ذلك البرنامج.
ومن الأمثلة عن ذلك النوع من الكذب، ما قام به الإنجليز في الحرب العالمية الأولى، عندما أخفوا الدبابات في حاويات كبيرة، وأشاعوا أنهم سوف يوجهونها إلى روسيا، وسموها TANK، وذلك في الوقت الذي كانوا فيه يقومون بنقلها بسرية تامة، إلى خطوط الحرب ضد ألمانيا.
أما النوع الثالث، فهو إخفاء الميول العدوانية تجاه دولة ما، للتمويه على النية المبيتة في الهجوم عليها.
فهتلر في الفترة الواقعة ما بين 1933 و1938، حاول أن يقنع الدول الأوروبية بأنه ملتزم بالسلام والتهدئة، في الوقت الذي كان يعمل بمنتهى القوة للحشد والإعداد لحربه الكبرى.
النوع الرابع، هو عندما تكذب الدولة لتتستر على نواياها العدائية تجاه دولة أخرى منافسة، حتى تتحاشى استفزاز تلك الدولة.
من ذلك عندما قامت الدول الأوروبية بعقد معاهدة دنكرك في عام 1947 ومعاهدة بروكسل في عام 1948، تحت شعار التصدي لقوة ألمانيا المتزايدة، ولكنها في الحقيقة كانت تخطط لكبح جماح التوسع الروسي في أوروبا.
النوع الخامس من كذب الأنظمة السياسية على بعضها البعض، هو ذلك الذي يظهر عندما تهدد الدولة أحد أعدائها، من دون أن تكون هناك نية حقيقية للهجوم عليها.
مثل ما قامت به أميركا في عهد الرئيس رونالد ريغان في عام 1986، عندما شعرت بالقلق من بعض النوايا الإرهابية المحتملة من جانب الزعيم الليبي معمر القذافي، فسرّبت بعض التقارير الكاذبة التي تشير إلى نيتها في قصفه، دون أن يكون هناك أي نية حقيقية في ذلك.
النوع السادس، هو تعمد الكذب لإثارة دولة أخرى واستفزازها لكي تبدأ بالهجوم والعدوان، ومن ذلك ما فعله المستشار الألماني بسمارك مع فرنسا، عندما دفعها دفعاً لإعلان الحرب على بروسيا.
إثارة الذعر
يتم استخدام اسلوب إثارة الذعر عندما يرى قادة الدولة خطراً محدقاً بهم، وفي الوقت نفسه لا يتمكنون من إقناع الشعب بخطورة هذا الوضع.
ويرى ميرشيمر أن قول الزعيم التركي كمال أتاتورك (من أجل الشعب، رغماً عن الشعب) فيه تعبير حقيقي عن ذلك النوع من الخداع والكذب.
فبحسب تعبير المؤلف فإن “القادة الذين يستخدمون أسلوب إدارة الذعر قد يستهدفون إثارة حالة خوف غير موجودة في مخيلة الشعب، أو – في أغلب الأحوال- نجدهم يبالغون في تضخيم أثر تهديد موجود فعلاً، ولكنه يخرج عن الدوائر الحكومية، ويتلخص الهدف النهائي من وراء ذلك في الحصول على دعم شعبي لزيادة الإنفاق العسكري، أو زيادة التوظيف في الجيش”.
يضرب ميرشيمر مثالاً واضحاً على هذا الأسلوب، بما حدث في عام 1941، عندما هاجمت إحدى الطائرات الإنجليزية غواصة ألمانية، ثم تراجعت لترافق مدمرة أميركية، بعدها قامت الغواصة الألمانية بتبادل الهجوم مع المدمرة الأميركية، وخرج بعدها الرئيس الأميركي روزفلت ليغفل ذكر الطائرة الإنجليزية تماماً من سياق الأحداث، وليؤكد أن الغواصة الألمانية هي التي بادرت بالهجوم على المدمرة، وكان بذلك يهدف لشحذ همم الأميركيين للدخول في الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي لم يتحقق بشكل كامل إلا بعد كارثة بيرل هاربور في 7 ديسمبر كانون الأول عام 1941.
ويستشهد ميرشيمر بالمثال الذي ذكرناه من قبل عن عقد تحالف ما بين تنظيم القاعدة والرئيس العراقي صدام حسين، وكيف أن الرئيس الأميركي جورج بوش قد استخدم تلك المعلومات لتحشيد أميركا مع فكرة الحرب.
كما يستشهد المؤلف بالتصريحات التي أطلقها كل من بوش وموظفيه، للتأكيد على أن العراق يمتلك أسلحة نووية وكيميائية، وكذلك إشاعة أن صدام كان مشتركاً في التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001.
ويذكر المؤلف أسماء أكثر من ساعد بوش في اختلاق تلك الأكاذيب والترويج لها، ومن بينهم ديك تشيني وكونداليزا رايس ورامسفيلد وكولن باول، ويذكر أن جميعهم قد اعترفوا بعدم وجود دليل مؤكد على أي من الكذبات الثلاث التي اخترعوها، وذلك عندما سئلوا مباشرة عنها بعد قيام الحرب واحتلال العراق.
ويعتقد ميرشيمر أن اسلوب إثارة الذعر يتم استخدامه في النظم الديموقراطية بشكل أكثر منه استخداماً في النظم الأوتوقراطية، والسبب في ذلك أن النظام الديموقراطي يشهد دوراً كبيراً للجماهير والشعب في تحديد القرار السياسي، بعكس النظم الملكية التي يتخذ فيها فرد واحد أو طبقة محددة القرار من دون الرجوع إلى الشعب. ولهذا يسود اعتقاد بأن الحكومات الديموقراطية في وقت الحروب والأزمات تكون أضعف بكثير من الحكومات الملكية، مما يحتم عليها أن تلجأ إلى خداع شعوبها لتدفعهم دفعاً نحو السير في مسار الحرب والصدام.
ويضرب المؤلف مثالاً على ذلك بالحرب الباردة ما بين الاتحاد السوفياتي وأميركا، فالأول بشمولية نظامه الحاكم كان أسهل في الحشد والتعبئة من الثانية، مما حدا بالحكومة الأميركية لإطلاق الكثير من الأكاذيب والخداع لإقناع شعبها بضرورة وحتمية المواجهة.
ويرى ميرشيمر أن للجغرافيا دوراً مهماً في تسهيل استخدام تقنية إثارة الذعر، فالدولة التي تجاورها دولة قوية معادية، “لا تحتاج إلى مبالغة في تصوير التهديد، لأن العدو قريب جداً منها”. وبالمنطق نفسه، فإن الدول البعيدة تحتاج إلى قدر أكبر من إثارة الرعب والذعر في نفوس شعوب أعدائها غير المشتركين معها في الحدود.
ويرى المؤلف أن الحرب الوقائية أو الاستباقية تتطلب قدراً متزايداً من إثارة الذعر، إذا ما قورنت بالدول التي تتعرض لحرب مفاجئة أو دفاعية.
التغطيات الاستراتيجية
يرى ميرشيمر أن تقنية التغطيات الاستراتيجية، تعتبر من أهم أنواع الكذب والخداع التي تمارسها الدول، ويكون المستهدف منها الجمهور الداخلي، والدول الأخرى في آن واحد، إذ يرى المؤلف أن مسألة الحفاظ على الروح المعنوية هي من أهم الأسباب والدوافع التي تجعل الساسة يلجأون إلى استخدام تقنية التغطية الاستراتيجية.
ففي الحرب العالمية الأولى، على سبيل المثال، كان السياسيون الفرنسيون يعرفون سوء إدارة الجنرال جوفري لمعركة فردان ضد الألمان، ومع ذلك اختاروا أن يغطوا عليه، وأن يشيعوا عنه كفاءته وجدارته بالقيادة، حتى لا يفقد الفرنسيون روحهم المعنوية العالية.
وقد تكون التغطية بسبب استهداف هدف استراتيجي على المدى البعيد، مثل ما قام به الرئيس الأميركي جون كيندي عندما سحب صواريخ “جوبيتر” من تركيا في مقابل سحب الاتحاد السوفياتي لصواريخه من كوبا، ثم خرج لينكر ذلك كله أمام شاشات التلفاز، حيث كان كيندي يرى أن الأولوية في ذلك الوقت هي نزع فتيل الأزمة التي من الممكن أن ينتج عنها صدام نووي مع السوفيات.
الأساطير القومية
ظهرت تلك الأساطير والأكاذيب استجابة إلى التغيرات السياسية التي وقعت في الدول خلال القرنين السابقين، فالدول التي أصبحت تعتمد في قيامها على فكرة القومية، حاولت أن تستند إلى عدد من البطولات والقصص التاريخية التي تعطي لها ولمواطنيها تميزاً وقوة وحقاً يفوق ما لدى أعدائها في الدول المجاورة.
ويرى المؤلف أن تلك الأكاذيب تسير في اتجاهات ثلاثة، وهي الإعلاء من شأن الجماعة القومية، وتنقيتها من كل ما قد علق بها من خطايا وذنوب، والإضرار بالجماعات المجاورة.
ويؤكد ميرشيمر أن الأساطير القومية يتم اختلاقها بواسطة كل من النخبة والطبقة الحاكمة من جهة والعامة من جهة أخرى، وأن لكل من الطرفين أهدافه التي يسعى إلى تمريرها من جراء تلك الأكاذيب.
النخبة تعتقد أن تلك الأساطير تؤيد الروح الوطنية القوية التي يجب أن يتلبس بها المواطنون، كما أن تلك الأساطير تعطي أسبابا معقولة للجنود والمقاتلين للاستشهاد في سبيل الدولة في ساحات الحروب والمعارك.
أما عامة الشعب، فيجدون في تلك الأكاذيب فرصة لإثبات تفوقهم التاريخي على الشعوب المجاورة، وكيف أنهم يتقدمون عليهم ويتفوقون منذ فترة بعيدة.
ويرى المؤلف أنه في الكثير من الأحيان، نجد أن بعض الدول لا تكتفي بنشر أساطيرها القومية داخل نطاقها الداخلي، بل إنها تعمل على نشر تلك الأساطير في المحيط الدولي، بغية تحقيق هدف ما. ومن ذلك أن ألمانيا، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، قد أشاعت أن الجيش الألماني لم يكن مسؤولاً عن عمليات القتل والتدمير التي تمت إبان الحرب، وأن جهاز (أس أس) المقرب من أدولف هتلر كان هو المسؤول الوحيد عن تلك الأفعال المشينة، ومن ذلك أيضاً ما نشرته إسرائيل عقب احتلالها فلسطين، عندما ادعت أن الفلسطينيون قد تركوا منازلهم بمحض إرادتهم، وهو الأمر الذي يخالف الواقع التاريخي الذي يؤكد على أن ما يزيد عن السبعمائة ألف من الفلسطينيين قد تم تهجيرهم قسراً أثناء حرب 1948، وأن السلطات الإسرائيلية قد رفضت العديد من الطلبات التي قدمها بعضهم للعودة إلى ديارهم.
ويرى ميرشيمر أن هناك علاقة طردية تربط ما بين درجة القسوة والتوحش اللذين صاحبا تأسيس الدولة من جهة وحجم الأساطير القومية التي تختلقها الأنظمة السياسية والنخب الفكرية في تلك الدول من جهة أخرى، فالدول التي نشأت على الجرائم والمذابح مثل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والاتحاد السوفياتي السابق، تعمل على نشر العديد من الأكاذيب والأساطير التي تبرر قيام مؤسسيها الأوائل للجوء إلى تلك الأفعال والممارسات.
الأكاذيب الليبرالية
يرى ميرشيمر أنه وعبر التاريخ الإنساني الطويل، كان زعماء الدول قد اعتادوا على أن يطلقوا عدداً من الدعايات التي تبرّر مواقفهم السياسية العدوانية، وأن الكثير من تلك الدعايات يمكن أن نضعه تحت قائمة (الأكاذيب الليبرالية).
ويلفت ميرشيمر نظر القارئ إلى أن الكثير من الدول التي اعتادت أن تصف نفسها بالليبرالية، قد قامت في العديد من اللحظات الخطرة بتصرفات تتنافى مع ليبراليتها، وذلك بغرض الانتصار في معركة معينة أو للحصول على بعض المكاسب المادية. زمن ذلك قتل أميركا لأكثر من 900 ألف ياباني في الحرب العالمية الثانية، لا لشيء إلا كي تنتهي الحرب مبكراً، وكذلك تحالف وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا مع ستالين، برغم أن الأخير لم يكن أقل ديكتاتورية أو دموية من هتلر.
ما هي نتيجة الكذب السياسي؟
يرى ميرشيمر أنه برغم أن الأكاذيب السياسية قد تكون مفيدة للقادة والزعماء في العديد من المواقف، إلا أنه يجب الاحتياط قبل الإقدام على ممارسة عملية الكذب والتضليل والخداع على نطاق واسع، والسبب في ذلك أن التكثير من الكذب يؤدي في النهاية إلى خلق ثقافة تضليل مسمومة، وبالتبعية إلى نشوء حالة من الفساد والارتباك في المجتمع الداخلي، وحدوث حالة من الاضطراب والضبابية في العلاقات الخارجية مع باقي الدول.
ويؤكد المؤلف أن الآثار والنتائج السلبية للكذب تظهر في المجتمعات والدول الديموقراطية بشكل أكبر منها في الدول الديكتاتورية، والسبب في ذلك أن الشفافية والموثوقية عنصران مهمان وأساسيان في تلك الأنظمة، وأي غياب لأحدهما يؤدي إلى حدوث حالة من حالات الضبابية والارتباك في المشهد السياسي ككل.
(الميادين)
لماذا يكذب القادة
للمزيد من الكتب
This post is also available in: English (الإنجليزية)