العدالة في عالم الحيوان: الحياة الأخلاقية للحيوانات

عنوان الكتاب العدالة في عالم الحيوان
المؤلف مارك بيكوف – جيسيكا بيرس
الناشر  University Of Chicago Press
البلد الولايات المتحدة الأمريكية
تاريخ النشر 30 مايو 2009
عدد الصفحات 204

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

الكثير منا قد لا يدرك أن للحيوانات شريعة أخلاقية وأنها تعيش بموجبها وتتقيد بها أفضل من تقيد البشر بشريعتهم، هذا ما يلفت إليه ويتناوله بالبحث والتحليل مؤلفا كتاب “العدالة في عالم الحيوان: الحياة الأخلاقية للحيوانات” مارك بيكون وجيسيكا بيرس، اللذان يسعيان إلى إبراز جوانب سلوكية، أخلاقية عديدة للحيوانات تتبعها الحيوانات في طرائق عيشها.

العدالة والتآزر والتقمص العاطف، وغيرها من السلوكيات تمارسها الحيوانات في ما بينها، وقد نفتقدها نحن البشر في كثير من المعاملات مع بني جنسنا على الرغم من المبادئ والمثل والشعارات الجمة والكثيرة التي يرددها بني الإنسان صباحاً ومساء، إلا أن العمل بها هو أقل من نذر يسير.

وأهم ما يؤكد عليه الكاتبان خلال إبحارهما في عالم الحيوان، هو اكتشافهما أن العدالة تلعب دوراً محورياً في المعاملات الاجتماعية بين العديد من الحيوانات، وهي ضرورية في إقامة الصداقات والحفاظ على أوامرها بينهم.

يذكر المؤلفان بعضا من الأمثلة الدالة على هذا الجانب الخفي و المضيء في آن من تلك القيم النبيلة في عالم الحيوان، ومن ذلك، أنثى فيل صغيرة تعتني بجرح أصاب قائمتها بعدما طرحها أرضاً فيل ذكر صعب المراس ومتخم بالهرمونات، فتسرع إليها أنثى كبيرة، وتطارد الذكر حتى يفر بعيداً عنها، ثم تعود إلى الصغيرة وتربت على قائمتها المصابة بخرطومها.

أحد عشر فيلاً ينقذون مجموعة من الظبيان الأسيرة في مقاطعة كوازولو – ناتال بجنوب أفريقيا، زعيمة قطيع الأفيال ترفع مزاليج بوابات الحظيرة بخرطومها وتفتحها على مصاريعها كي تفرّ الظبيان. جرز حبيس في قفصه يرفض أن يدفع رافعة جلب الطعام عندما يرى أن جرزاً آخر يتعرض لصدمة كهربية نتيجة ذلك. قرد ذكي يدخل بَدَكة في فتحة للحصول على الطعام يساعد أنثى لا تستطيع تعلم هذه الحيلة، فيدخل البدلة في الفتحة بالنيابة عنها، ويدعها تتناول طعامها في سلام.

أنثى خفاش الفاكهة تساعد أنثى أخرى لاترتبط بها بأي صلة في أثناء الولادة بعرض طريقة التعلق السليمة أمها. هرة تدعي لي تساعد صديقها الكلب العجوز الأصم الكفيف كاشيو في تخطي عقبات الطريق إلى طعامه.

مجموعة من قردي الشمبانزي في حديقة حيوان “أرنبهم” بهولندا وقد شوهد بعضها يضرب القردة التي تأخرت على العشاء عقاباً لها؛ لأنه من غير المسموح لأي قرد أن يشرع في الأكل قبل حضور الجميع.

كلب ذكر ضخم يود لو أن يعبث مع ذكر آخر أقل منه إذعاناً فيدعو الكلب الكبير الصغير إلى اللعب، ويقلل من عنفوانه، فيعض شريكه الصغير بلطف، ويسمح له بمبادلته العض أيضاً.

واستنتاجاً من هذه الأمثلة يطرح المؤلف أن عدة تساؤلات حول تلك الشريعة الأخلاقية الموجودة بين الحيوانات وقدرتها على إبداء التعاطف والإيثار والعدل والإنصاف بما يوحي بأن لديها ضربا عالي من الذكاء الأخلاقي.

كشوفات مذهلة

يلفت المؤلفان إلى أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الكشف الحيواني، فقد بدأت أبحاث الذكاء والمشاعر الحيوانية تحتل مكانة على أجندة عدد من الاختصاصات العلمية، من علم الأحياء التطوري، وعلم سلوك الحيوان الإدراكي إلى علم النفس وعالم الانثروبولوجيا ولافلسفة والتاريخ، والدراسات العقائدية، وهناك اهتمام كبير بالحياة الإدراكية والعاطفية للحيوانات.

ويؤكدان على ذلك بالقول بأن هناك كشوفات يومية مذهلة هدمت كثيرا من الفرضيات حول طبيعة الحيوانات، فقد وجد على سبيل المثال أن للأسماك القدرة على الاستدلال على مكانتها الاجتماعية النسبية عن طريق ملاحظة تفاعلات السيطرة بين الأسماك الأخرى.

ولوحظ أن للطيور قدرة على التخطيط للوجبات التالية، كما أن للشمبانزي القدرة على معرفة ما يراه أقرانها وظهر أن لديها ذاكرة أفضل من البشر فيما يتعلق بألعاب الكمبيوتر.

ويخلص المؤلفان من ذلك إلى أن المعلومات الجديدة والمتراكمة يومياً عن عالم الحيوان تنسف الحدود المشتركة بين البشر والحيوانات وتجبرنا على إعادة النظر في الأفكار النمطية والعتيقة حول قدرات الحيوانات الفكرية والأدائية والشعورية واصطلاح “العدالة في عالم الحيوان” الذي تصدر الكتاب قُصد منه التعبير بايجاز مثير عن عالم الحيوانات، التي لا تتمتع بإحساس العدالة فحسب، بل بأحاسيس الغفران والتعاطف والثقة والمعاملة بالمثل.

وأصبح بالإمكان القول بأن للحيوانات عوالم داخلية ثرية وتتمتع بمجموعة متنوعة من المشاعر، وبدرجة عالية من الذكاء، ولديها مستوى متقدم من المرونة السلوكية فيما تقيم علاقات اجتماعية معقدة ومتغيرة، وتلعب الحيوانات كذلك أدواراً اجتماعية مميزة، حيث تشكل شبكات معقدة من العلاقات، وتعيش بحسب قواعد سلوكية تحفظ لهم التوازن الاجتماعي، أو ما يعرف علمياً باسم الاستتباب الاجتماعي.

ركائز العدالة

ثم يتطرق المؤلفان إلى ركائز العدالة في عالم الحيوان، موضحين أن الأبحاث الضخمة الحالية التي تدعم وجهات النظر بشأن العدالة في عالم الحيوان تنبع من مجالات علمية مختلفة وتحديداً علم الأخلاق الإدراكي، وعلم الأعصاب الاجتماعي، والفلسفة الأخلاقية، ومن ثم كانت هناك دراسات كثيرة تتعلق بأفعال الحيوانات ومغزاها.

ثم يتطرق المؤلفان إلى علاقة التعاون بين الحيوانات لافتين إلى أن التعاون ما بين الحيوانات صار موضوعاً مثيلاً للصحافة الشعبية ففي أواخر العام 2007، على سبيل المثال، أذاعت المنافذ الإعلامية العلمية دراسة تفيد بأن الجرزان تظهر ما يعرف بـ “المعاملة المعممة بالمثل”، أي مد يد العون لأفراد غير مألوفين وغير ذوي صلة بناء على تجربة مثيلة عاشها الجرز وساعده فيها جرز آخر غريب عنه.

وقد عمد الباحثون في تلك التجربة إلى تدريب الجرزان على مهام تعاونية تنطوي على جذب عصا للحصول على طعام من أجل شريكها، ووجد أن الجرزان التي مُدت لها يد العون في الماضي من الغرباء كانت أكثر استعداداً لمساعدة الآخرين فيما بعد، وقبل هذه التجربة كان الاعتقاد السائد بأن المعاملة المعممة بالمثل إنما هي حكر على البشر وربما قردة الشمبانزي.

ويلفت الكاتبان إلى أن السيل الأخير من المقالات والأبحاث التي تتناول التعاون تكشف أنه كلما تعمقنا في البحث عن هذه الصفة لدى الحيوانات، زاد اكتشافنا لوجودها، وإذا راقبت الحيوانات مدة من الزمن، فمن السهل أن تلحظ الكثير من التعاون بالإضافة إلى الانسجام والتكيف.

وهناك عوامل عديدة تدفع الحيوانات إلى مثل هذا النوع من التعاون، وإن كان في مقدمة ذلك، لتحمي نفسها.

على سبيل المثال، تشكل إناث الشمبانزي مجموعات لحماية أنفسها من الذكور العدوانيين، مثلما تجتمع أسراب ضخمة من العصفور المغرد لمهاجمة الطفيليات. وتتبادل الحيوانات الأدوار بين تناول الطعام ومراقبة الحيوانات المفترسة.

أما عن نشأة هذا التعاون، هناك عديد من النظريات المستحدثة التي تحلل أسباب هذا التعاون وتتعارض في مجملها مع ما قال به داروين في نظريته المقترحة للتطور بأن التنافس ولياقة صلاح الفرد هي سر البقاء.

ومن تلك النظريات المفسرة لنشوء التعاون:

– ما يعرف بـ : “الانتخاب بين الأقرباء (إذا ما فاحت منك رائحة مثل رائحتي فلابد أنك قريب لي) وفي هذه النظرية يتعاون الأفراد مع أقربائهم أو يساعدونهم لأن منح الأقرباء مزايا معينة يعد آلية من آليات النجاح التكاثري وربما تطوّر السلوك التعاوني فيما بعد لأنه منح المتعاونين أنفسهم مزايا وفوائد.

– التنافع: (إذا غفوت فيسهلك الجميع)، بمعنى أن التنافع بشكل من أشكال التعاون يضطلع بموجبه فردان أو أكثر بمهمة لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد، ويحصل كل المشاركين على منافع فورية، فهو موقف “إذا غفل فيه فرد، هلك الجميع”، حيث يعتمد الأفراد على بعضهم البعض بحيث أنهم يخسرون جميعاً إذا لم يتعاونوا، وهذا النوع من التنافع يظهر جلياً مع الأنواع التي تنخط في صيد جماعي مثل الكلاب الأفريقية والأسود والذئاب التي تصطاد جميعاً في جماعات متساوية وعندما تصطاد بهذا الشكل توقع عددا أكبر من الفرائس مقارنة بالصيد فرادى.

– نظرية المعاملة بالمثل: (إذا أسديت إلى معروفاً، فسأسدي إليك معروفاً في المقابل).. ولعلّ أوضح الأمثلة على ذلك ما يقوم به عدد كبير من الرئيسيان من تنظيف بعضها بعضاً في ظاهرة تعرف اسم “تنظيف الآخر”، وأنماط التنظيف تلك ليست عشوائية، وإنما تتبع منطق حك ظهري لأحك ظهرك، وهو ما يجعل من التنظيف فعلاً تبادلياً من المقام الأول.

التعمق الوجداني

يعرج الكاتبان على ظاهرة أخرى مهمة في سياق كشفهما عن غرائب العلاقات الاجتماعية بين الحيوانات، وهي ظاهرة التعمق الوجداني، حيث تعرف الكثير عن هذه الظاهرة من خلال التجربة التالية:

شهدت سي آن لامبرت مديرة مركز إنقاذ ذئب البراري بولاية إنديانا عملاً بطولياً بسيطاً في حوض بموقف سيارتها. فقد احتجز فأران صغيران في الحوض طوال الليل، وظلا عاجزين عن الصعود على جوانب الحوض الزلقة. وقد تملَّك منهما التعب والخوف. ملأت لامبرت غطاءً صغيراً بالماء، ووضعته في الحوض. فقفز أحدهما حتى أدركه وشرب منه، فيما بدا الآخر مرهقاً حتى إنه لم يكن يستطيع الحركة، وظل منكمشاً في مكانه. ولما عثر الفأر الأول على كسرة من الطعام، حملها إلى الفأر المنهك. وعندما حاول الفأر المنهك في تناول الطعام بمشقة شديدة، أخذ الآخر يدفع الطعام تدريجياً ناحية الماء بقطعة من الخشب، وأخيراً تمكن الفأران اللذان استردا عافيتهما من الخروج من الحوض.

(أحمد السعداوي/ جريدة الاتحاد)

 

 

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP