الوصف
أثقل من رضوى
لم أقرأ منذ زمن كتابًا في السيرة الذاتية أشد تأثيرًا في النفس من هذا. كتبته صاحبته بمشاعرها، بأعصابها، بدموعها، بضحكاتها. أودعته خلاصة تجاربها، عصارة حياتها. كتبته وهي تشعر أن عليها أن تفرغ منه بأسرع ما يكون، كأنها تخشى إن أغمضت عينيها ألا تفتحمها مجددًا، كأنها تريد أن تؤدي أمانتها إلى الأجيال القادمة، أن تخبرهم بما جرى، تحكي لهم عن مصر الستينات حينما كان الحلم خزين كل بيت، عن مصر السبعينات حينما عشعش العنكبوت في البيوت، عن مصر الآن حينما تشققت جدران البيت وأوشك السقف على السقوط.
إنها الأديبة الكبيرة رضوى عاشور وسيرتها “أثقل من رضوى” الصادر قبل أشهر عن دار الشروق.
“أثقل من رضوى” ليس كتابًا، إنه صوت البجعة قبل الرحيل، أجمل الأصوات، أعذب الألحان، أشجى النغمات. صدحت به بجعة زكي نجيب محمود في “حصاد السنين”، وبجعة نجيب محفوظ في “أحلام فترة النقاهة”، وبجعة عبد الوهاب المسيري في “رحلتي الفكرية”، والآن، وعلى ذات الدرب، درب الخلود، تخط رضوى عاشور سفرها، تستعرض قبل الرحيل كتابها، تُسمعنا صدح بجعتها.
٦٨ عامًا عمرها.
أمضت منها العامين الأخيرين في عمليات جراحية مؤلمة، وفي فترة النقاهة أتحفتنا برائعتها هذه.
أبكتنا، أضحكتنا، أحبطتنا، ثم فجأة أمسكت بتلابيبنا، استصرختنا، أشعلت في قلوبنا جذوة الأمل، نظرت في عيوننا، وبصلابة روحها المُشعِّة من خلف جسدها الواهن قالت: “هناك محاولة أخيرة لتتويج مساعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا”.
سلامٌ عليك رضوى وهل يموت من استودع الآتين بعده سر الحياة؟!
أطال الله عمرك أديبتنا الغالية ووهبنا وإياك هناءة العيش وحسن الخاتمة.
___________________
يعود تاريخ هذا المنشور إلى أغسطس 2014 وقد توفيت الأديبة رضوى عاشور في نوفمبر من ذات العام. عليها رحمة الله.
محمد عبد العاطي
أثقل من رضوى
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية