التداوى بالفلسفة

عنوان الكتاب التداوي بالفلسفة
المؤلف سعيد ناشيد
الناشر دار التنوير
البلد بيروت
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 175

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

 يؤكد المؤلف سعيد ناشيد في كتابة “التداوي بالفلسفة” على أن الفلسفة هي طريقة تفكير مُثلى، من شأنها تبديل حياة ممارسيها إلى الأفضل، ومن ثم فهي طريقة ناجعة للتداوي من الآلام المرتبطة بالحياة.

والكاتب سعيد ناشيد هو باحث وكاتب مغربي مهتم بقضايا التجديد الديني والدراسات الفلسفية، من بين كتبه: “الحداثة والقرآن” و”قلق في العقيدة”.

ما الهدف من الفلسفة؟

يتحدث المؤلف في بداية كتابه عن المغزى والهدف من وراء دراسة الفلسفة، فيقول “إذا لم تنفعك الفلسفة في مواجهة أشد ظروف الحياة قسوة وضراوة، فمعناه أن دراستك لها –إن كنت تدرسها- مجرد مضيعة للوقت وعليك أن تعيد النظر في أسلوب التعلّم، ثم إنك قد لا تحتاج إلى الدراسة الأكاديمية المتخصصة إذا رغبت في تعلّم فلسفة الحياة، أو تأثير الفلسفة في حياتك، ليس فقط لأن الإنسان أفضل معلّم لنفسه، أو لأن الحياة أفضل معلّم للحياة، بل لأن الطابع التقني والنظري لتدريس الفلسفة قد أفقدها القدرة على تعليم الحياة، وجعلها مجرد فرصة لكي يتباهى المتعلّم بأنه يتكلم عن الفلاسفة أو يتكلم مثلهم. ولذلك لم يكتسب كثير من دارسي الفلسفة من دراسة الفلسفة غير وهم امتلاك المعرفة، ما جعلهم صيداً سهلاً للنزعات الأصولية والشمولية، نقول عنهم باختصار إنهم ضحايا ثقافة النصوص، والأمثلة كثيرة وشهيرة”.

ولما كان المؤلف يعرف بأن القارئ قد يعترض على طرحه، من خلال اللجوء لبعض من الأنساق الطوباوية المثالية، التي تغني في ظاهرها عن تكبد عناء المعرفة الفلسفية، فإنه يحدد بعد ذلك وظيفة الفلسفة وأهميتها الرئيسة في كونها أداة للتفكير النقدي الذي يساعد في التخلّص من الزيف، وتقديم الحقيقة المجردة من دون شوائب، فيقول: “حين يقوم التفكير النقدي بنزع السحر عن الأشياء فإنه يحمينا من خيبة الأمل، سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو الحب أو الثورة أو السعادة أو الألم أو الموت، وبالتالي نكتسب القدرة على العيش بأقل ما يمكن من الآمال والأوهام”.

هل للتفكير الفلسفي دور في بناء الحضارة  المعاصرة؟

في الفصل الأول من كتابه يطرح ناشيد سؤالاً جدلياً بامتياز، وهو ذلك الذي يستفسر فيه عن دور أعلام الفلاسفة من أمثال ديكارت وسبينوزا وروسو وكانط وهيغل وماركس ونيتشه، في إنتاج الحضارة الإنسانية المعاصرة التي نعيشها حالياً: تُرى هل كان لهؤلاء الفلاسفة دور مهم فيما وصلت إليه البشرية من منتجات حضارية مادية؟ أم أن مجهودات هؤلاء المفكرين المعرفية والبحثية لم تكن أكثر من كلام لا جدوى منه وفارغ من أي مضمون عملي حقيقي؟

في سياق الإجابة على السؤال السابق، يعترف المؤلف أن الفلسفة ليست شرطاً حتمياً في بناء الحضارة، وهو يؤكد على أن هناك مجموعة من الحضارات القديمة التي قامت وازدهرت من دون أن تعتمد بشكل كامل على الفلسفة، ويرى أن ذلك بسبب طبيعة الفلسفة نفسها، ذلك عندما يقول “إن التفكير الفلسفي هو النشاط العقلي الأكثر هشاشة… والاستمرار في التفلسف جهد استثنائي نادر يحتاج إلى بيئة حاضنة لا تلزم العقل بتقديس المسلمات”.

ولكن يعود الباحث بعد ذلك مستدركاً، فيؤكد على أن ابتداع أنساق علمية جديدة في العلوم والمعارف الحضارية المادية، يحتاج إلى طفرات فلسفية جديدة، فإذا ما أردنا تقديم نظريات مهمة في الفيزياء الفلكية أو الميكروفيزياء بحيث تتخطى ما وصل إليه كل من ألبرت أينشتين وماكس بلانك من قبل، فقد صار من اللازم علينا أن نستند إلى أطروحات فلسفية جديدة تتجاوز المعارف الفلسفية المعروفة حالياً. فالفلسفة بحسب ما يذكر المؤلف هي وحدها القادرة على نقد المفاهيم الكبرى، وعلى التنظير لمفاهيم بديلة عنها، وتلك المفاهيم تمثل حجر الزاوية في مسألة الإبداع والابتكار المعرفي. فبواسطتها يستطيع عقل الإنسان “أن يفكر في العالم والحياة، وفي الحضارة والسياسة، وفي الصيرورة والطبيعة، وأيضاً في الموت والفناء، إنه تاريخ التصورات الكبرى التي يقارب بها عقل الإنسان مسائل الوجود والزمان والكينونة والمعنى، بهذا المعنى تكون الفلسفة تعبيراً عن شيء أخر أكثر دقة، هو العقل الإنساني نفسه”.

من هنا فإن الباحث يطرح رؤيته الخاصة عن الفلسفة على كونها السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله تطوير الحضارة البشرية، والتي ظهرت آثارها في ميادين السياسة والفنون والأخلاق، وغير ذلك من حقول المعرفة الإنسانية.

على سبيل المثال، لا يمكننا أن نفكر في ظهور الديمقراطية من دون الرجوع لكتابات مفكري اليونان القدامى، من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو، ولا يمكن فهم نظرية العقد الاجتماعي، والتي مثّلت الفكرة الأساس في طريق نقل البشرية من العصور الوسطى الغارقة في الاستبداد  إلى العصور الحديثة التي تؤمن بالتشاركية السياسية، إلا بعد المرور على مؤلفات مونتسكيو وجان جاك روسو، وهي المؤلفات التي لعبت دوراً رائداً في الثورة الفرنسية فيما بعد. وأيضاً فيما يخص مسألة التسامح، وهي فكرة أصيلة في الثقافة المعاصرة، فإنه لا يمكن فهمها إلا من خلال الرجوع لأفكار فولتير وجون لوك وباقي فلاسفة عصر التنوير والنهضة.

أما فلسفة نيتشه فقد مثّلت حجر الزاوية في عدد من المشاريع الاستعمارية والإمبريالية المهمة، تلك التي حلم القائمون عليها بالنموذج النيتشوي المتمثل في الإنسان الكامل. ومن أهم تلك المشاريع، مشروع هتلر الذي تسبب في إزهاق أرواح العشرات من الملايين من البشر حول العالم خلال الحرب العالمية الثانية.

أما فلسفة نيتشه فقد مثّلت حجر الزاوية في عدد من المشاريع الاستعمارية والإمبريالية المهمة، تلك التي حلم القائمون عليها بالنموذج النيتشوي المتمثل في الإنسان الكامل. ومن أهم تلك المشاريع، مشروع هتلر الذي تسبب في إزهاق أرواح العشرات من الملايين من البشر حول العالم خلال الحرب العالمية الثانية.

كل تلك النماذج والأمثلة والتي تربط بين الفلسفة من جهة ومنجزات الحضارة الإنسانية من جهة أخرى، استشهد بها المؤلف للقول بأن الفلسفة تعمل على “إنتاج صيرورة متواصلة نحو تأسيس عقل إنساني كوني”، وهو العقل الذي يمثل في حقيقته أفقاً نظرياً أمام الجنس البشري. ومن هنا فإن المؤلف يلتفت إلى حقيقة مهمة، وهي تلك التي تؤكد على أن أكثر المعادين للفكر الفلسفي في كل زمان ومكان هم في الحقيقة أولئك الداعون إلى الحفاظ على الخصوصية المحلية بمختلف خلفياتهم الثقافية والدينية، وكأن الفلسفة بما تقدمه من فرصة مهمة لإنتاج نظرة عالمية شاملة، تصطدم مع المتمسكين بهويتهم المحدودة القاصرة، والذين يرون أن فكرة الإنسان الكوني تعني القضاء عليهم وعلى وجودهم المستقل.

كيف تساعد الفلسفة في تقبل القدر؟

يرى ناشيد أن التفكير الفلسفي من الممكن أن يكون مهماً كذلك لمعالجة الآثار الكارثية للضرر، فإذا افترضنا أن الإنسان قد تعرض لواحدة من ضربات الحظ ونوائب الدهر مثل الإفلاس أو الإقالة أو الفراق، فإن الفلسفة بطبيعة الحال لن تستطيع إزالة هذا الضرر، ولكنها في الوقت نفسه من الممكن أن تجعل القدر السيء أقل سوءاً “هذه الفرصة يمنحها التأمل، الذي يتيح لنا إمكانية إعادة بناء فهمنا للأمور، علماً بأن الفهم الجيد للأحوال السيئة يخفف من الشعور بسوء الأحوال”٠

للتأكيد على فكرته الداعية لمسايرة القدر، يستدعي الباحث مثالين: الأول مثال فلسفي استخدمه الفيلسوف اليوناني زينون الرواقي، ويتلخص في كلب مربوط من عنقه في حبل إلى عربة تتحرك بسرعة متصاعدة، بادئ الأمر فإن الكلب سوف يقاوم الجذب، لكنه عندما يدرك بأن الطوق محكم وأنه لا يوجد سبيل إلى الانعتاق منه، فإنه سوف يساير العربة حفاظاً على ما بقي من كبريائه، أو سيجد نفسه مجروراً بنحو مؤلم.

المثال الثاني، هو الملاكم الذي يقاوم ضربات خصمه ويراوغها، ولكنه عندما يتأكد من تفوق هذا الخصم عليه، فإنه يسايرها ويتداعى للسقوط حفاظاً على عظامه.

– الميادين
TOP