الوصف
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر العربية” قائمتها الطويلة لدورتها الحادية عشرة، والتي ضمت 16 عملا لكتاب نصفهم يظهر للمرة الأولى بالقائمة.
وضمت القائمة الرواية الفلسطينية “الحاجة كريستينا” للكاتب عاطف أبوسيف.
في رواية عاطف أبو سيف «الحاجة كريستينا» تتناسل الحكايات تباعا، ما إن تفترق إحداها حتى تعود لتجتمع مع غيرها في إطار حكاية الخروج الأكبر، فلا غرابة إذن لو أتت جميعها مضمخة بجراحات القلب التي لم تكن تسمح إلا بنهايات مبتورة، أو ملتبسة.
أبطال هذه الحكايات لاجئون أتوا من فلسطين المحتلة عام 1948 وسكنوا مخيم غزة حاملين معهم حنينهم وذكرياتهم، لذلك ترتكز الرواية في كثير من صفحاتها على ذاكرة هؤلاء المهجرين، تستردها عبر حكايات ما قبل غبار الشتات، تفعل هذا وفي ذهنها أن تجعل حياة الناس ممكنة، لأن حرب الفلسطيني مع الآخر هي حرب ذاكرة تعينه على إثبات وجوده وسرديته الخاصة. لكنها ذاكرة لا تنفي ما عمدت إليه الرواية من متابعة ما يجري في حاضر غزة من حكايات أبطالُها أسرى مناضلون وشهداء حالمون بالنصر، وآخرون باتوا يحلمون بالسفر بعد أن ضاقت الأرض بما رحبت، حين صارت غزة سجنا كبيرا رغم البحر الذي بات سلكا شائكا لا يسمح بالعبور إلى العالم الخارجي.
أول ما يلفتك في عنوان الرواية «الحاجة كريستينا» اجتماع مفردتين تنتمي الواحدة منهما إلى عالم يتضاد مع الآخر، لكنك ما إن تمضي في القراءة حتى تكتشف أن لهذا الائتلاف بين متضادين قصة غامضة، وسلسلة تبدأ بالتساقط شيئا فشيئا عن شجرة الغموض. بطلة هذه القصة فلسطينية تتحدث الإنكليزية بطلاقة، أو فلنقل إنها بريطانية عاشت في فلسطين جل عمرها. فمن هي الحاجة كريستينا هذه؟ تبدأ الرواية بمجيء سيارة تحمل سيدة في العقد الثامن من عمرها، وتذهب بها مع الريح، لتصبح هذه السيدة الشغل الشاغل لأهل المخيم، الذين يتسابقون في اختلاق القصص حول حادثة الاختفاء هذه. ومع هذه القصص نعرف أن هذه السيدة كانت قد خرجت طفلة في الحادية عشرة من عمرها من يافا بصحبة رجل إنكليزي اسمه جورج قبل النكبة بقليل للعلاج في لندن، وكان اسمها آنئذ (فضة). وتشاء الأقدار أن يأتي الاحتلال وتتقطع بها سبل العودة إلى أهلها الذين يرحلون عن الحياة. وهو ما دفع جورج إلى تبنيها وإبقائها معه مواطنة بريطانية إلى أن يتوفاه الله، فتدفع بها أختاه للعودة إلى أهلها، فيكون مخيم اللاجئين قرب غزة مكانها الذي تستقر فيه في خمسينيات القرن الماضي، وفيه تتزوج وتنجب ولدا يختفي بعد خروجه للتعلم في مصر في الثمانينيات. وتتوالى عليها الأيام حتى يناير/كانون الثاني عام 2009، حيث تقع حادثة الاختفاء هذه.
تتوالى الأحداث في ما يبدو سلسلة مضطربة وغير منتظمة من المفاجآت العجيبة والانتقالات المهولة بين المدهش والعادي، والغريب والمتوقع الذي يكون الشاهد على أن الأشياء تتحول من موضع إلى آخر، وتنتقل من الشيء إلى نقيضه.
من هنا شاءت الأقدار أن تصبح (فضة) (كريستينا)، بما يعكس ازدواجية في الأصل جرت العادة على التعامل معها باعتبارها مصدر قلق وانتهاك. لكنها في هذه الرواية برزت مساحة تمكن الإنسان – كما يقول علي حرب في كتابه تواطؤ الأضداد – من صنع نفسه وبناء عالمه على سبيل التجاوز، فكريستينا تثبت عبر أكثر من موقف قدرة لافتة على اختراق وحدانية المرجع لمصلحة البعد المزدوج، بما يجعل الثبات مجرد وهم، والصفاء مجرد أكذوبة، ولا أدل على ذلك من أن فضة ابنة عوني السعيد المولودة في يافا، هي نفسها كريستينا ابنة جورج الذي سجلها بهذا الاسم. ونراها في مسار حياتها وقد حضرت في إطار بنية مركبة وملتبسة ومنفتحة على أكثر من وجه. لذلك ينقل الراوي العليم عنها أنها لم تغلق النافذة طوال حياتها، وأصرّت طيلة حياتها على تركها مشرعة للريح حتى حين يحمل الشتاء الأمطار أو الخريف الأتربة.
عن المؤلف:
ولد عاطف أبوسيف عام 1973 في مخيم جباليا – غزة – فلسطين، لأبوين لعائلة هجّرت من مدينة يافا .
درس عاطف ابو سيف اللغة الانجليزية وآدابها في جامعة بيرزيت – فلسطين، وقد كان يحب القص والسرد لشغفه بجدته عائشة التي ماتت وهي تحلم بيافا وتعيد سرد حكاياتها ويومياتها في المدينة، بحيث أضحى هذا الشاب يتمنى فقط لو استطاع أن يكتب حكاية عن جدته في يافا وهو الأمر الذي لم يفعله حتى الآن .
أصدر أربع روايات، الأولى كانت بعنوان ظلال في الذاكرة والثانية حكاية ليلة سامر والثالثة كانت بعنوان كرة ثلج، أما الرابعة فحملت عنوان حصرم الجنة
بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان أشياء عادية جداً، كما أصدر كتاباً في الفكر السياسي حول المجتمع المدني والدولة، صدر عن دار الشروق في عمان
ويحمل عاطف أبوسيف درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة برادفورد- انجلترا ، حيث دارت اطروحة الماجستير حول ” التكامل الأوروبي ” .
أما اطروحة الدكتوراه التي يعد لها في جامعة فلورنسا – ايطاليا، فتدور حور الكيان السياسي الفلسطيني ودور العوامل الخارجية، وتحديدا الاتحاد الأوروبي، فيه . ” حين يسألني الناس : لماذا تدرس سياسة ؟ اجيب بمقطع من روايتي الأولى حين تشتكي أم للضابط الاسرائيلي بأن طفلها ابن التاسعة الذي اعتقله الجنود لا يفهم في السياسة ، فيرد الجندي : حتى الحمار عندكم يفهم في السياسة ” . عاطف أبوسيف
يذكر أن ” البوكر ” الجائزة العالمية للرواية العربية هي أكبر جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية، وترعاها مؤسسة جائزة البوكر في لندن بينما تقوم دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بدعمها ماليا، ورغم الإشارة إليها في وسائل الإعلام على مدى السنوات السابقة باسم “البوكر العربية” إلا أنها تفضل تعريف نفسها باسم “آي باف”.
للمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية