الوصف
الحالة الحرجة للمدعو “ك.” رواية للكاتب السعودي عزيز محمد. صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2017 عن دار التنوير للطباعة والنشر في بيروت. ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2018، وهي النسخة العربية لجائزة “بوكر” العالمية للرواية.
يروي الكاتب السعودي “عزيز محمد” في هذه الرواية “ك”، الذي يقرّر أن يكتب يومياته إثر قراءته لكافكا، إلا أنه بسبب افتقاره الفكري واللغوي وبسبب خوفه على خصوصياته، لم يستطع اكمال مشروعه، حتى يتلقى خبرا يقلب كل وضعه راسا على عقب.
أجواء الرواية
ومن أجواء الرواية المنافسة للبوكر نقرأ: “بضع لحظات صامتة مرّت، فيما راح الباب ينغلق على مهله. أخبرني بعدها أن عليَّ التفكير بجدية في العلاج الكيميائي، بنفس النبرة التي يخبرني بها أحدهم أنه حان الوقت لشراء حذاء جديد. كنت هادئاً، والطبيب هادئ، والغرفة هادئة، ودرجة الحرارة فيها مناسبة، وكان ثمة بخار يتصاعد من أكواب الشاي الورقية أمامنا. حملت الكوب إلى حجري وأطرقت إليه بسكون. عبر الشق السفلي للباب، كانت تصلني من الممر أصوات خافتة؛ نداءات لمرضى، وممرضات يتحركن بخفة في أزواج أحذية بيضاء، تلتصق خطواتها في البلاط. ومن منطقة أبعد قليلاً، أخذ يتردَّد بكاء صاخب لرضيع، حُقن بإبرة على الأرجح. حين عاد الطبيب يتحدث، كنت لا أزال ممسكاً بالكوب وقد ازداد سخونة بين يديّ. استغرقت في التحديق إلى داخل الكوب باهتمام، كما لو كان صوت الطبيب يصدر من هناك”.
المفارقة أنه خلال الدورة التي فاز بها الروائي الكويتي سعود السنعوسي ب”البوكر”، عن روايته “ساق البامبو”، تم الاحتفاء به بوصفه أصغر المرشحين بالجائزة، وهو مواليد 1981، ليأتي ترشيح عزيز محمد، 1987، ليحرز رقما جديدا في “أصغر منافس للبوكر”.
تقول إنه من هنا (حتى أنا أخشى أن أصرح) لماذا؟ تخلص عزيز من الأسماء كلها وترك لنا (كاف) فقط، ترك لنا حرفا واحدا وربما ينتمي لكافكا أكثر منا..بطل الرواية المدعو “ك” إنسان وحيد، مستوحش بالأحرى. وأعتقد بأن قوة الرواية تجيء من هنا؛ ليس ثمة حبيبة يكسر قلبها ولا أبناء يساقون إلى اليُتم من بعده. علاقته بأمه وأخته وأخيه إشكالية في كل صورها. علاقته بزملاء العمل، بالأطباء والممرضين، كلها إشكالية.. إن “ك” لا يستمد قيمته من شبكة علاقات اجتماعية تهيمن على حياته. إنه يستمد قيمته من حقيقة وجوده وحدها، رغم أن الوجود في ذاته فكرة باعثة على الأسى.تتحدث الرواية ايضاً عن شراسة، عن فرديته أمام نظام اجتماعي واقتصادي يحاصرك حتى آخر سنتمتر منك. المفارقة أن يكون السرطان هو ساحة المعركة، أن تعتمد اعتمادًا كليًا على النظام؛ على التأمين الصحي والمستشفى والتقاعد المبكر والأقارب وأصدقاء الكلية، وفي الوقت نفسه تخوض مواجهات يومية، في معارك صغيرة وتافهة، لتأكد فيها حقك بألا تكون جزءًا من المنظومة.. وتفشل دائمًا.كما أن الرواية مروّعة ولكن دونما مبالغة. كل سطر فيها كتب بتلك الروح المتهكمة التي تتفوق على الفيجعة بالعثور على استعارات رنانة وطريفة للسخرية من الواقع.
رواية مشدودة إلى الواقع بسلكٍ قصير، تتعمد تجنب المشاهد الملحمية والعبور السريع أمام المواقف المؤثرة، لكي لا تقع في “المبالغة”.. أو “الابتذال” .حالما أستيقظ، يراودني شعور بالغثيان.أتنفس بمشة، أفرك عيني، أحدق عبر غشاوة من نعاس.على المخدة ثمة بقع داكنة،أخمن من طريقة تنفسي أن مصادرها أنفي شاربي الأيسر متيبس بأثر التخثر، والدم لا يزال رطباً داخل التجويف.أجفل متنبهاً، أرفع رأسي، وخلال برهة يعود نبضي للهدوء. من موضوع الشمس في شباك الغرفة أدرك أني تأخرت على كل حال.أنقلب إلى الطرف الآخر من المخدة، وأغمض عيني مجدداً.
بضع لحظات صامتة مرّت، فيما راح الباب ينغلق على مهله. أخبرني بعدها أن عليَّ التفكير بجدية في العلاج الكيميائي، بنفس النبرة التي يخبرني بها أحدهم أنه حان الوقت لشراء حذاء جديد. كنت هادئاً، والطبيب هادئ، والغرفة هادئة، ودرجة الحرارة فيها مناسبة، وكان ثمة بخار يتصاعد من أكواب الشاي الورقية أمامنا. حملت الكوب إلى حجري وأطرقت إليه بسكون. عبر الشق السفلي للباب، كانت تصلني من الممر أصوات خافتة؛ نداءات لمرضى، وممرضات يتحركن بخفة في أزواج أحذية بيضاء، تلتصق خطواتها في البلاط. ومن منطقة أبعد قليلاً، أخذ يتردَّد بكاء صاخب لرضيع، حُقن بإبرة على الأرجح. حين عاد الطبيب يتحدث، كنت لا أزال ممسكاً بالكوب وقد ازداد سخونة بين يديّ. استغرقت في التحديق إلى داخل الكوب باهتمام، كما لو كان صوت الطبيب يصدر من هناك.
عن المؤلف:
الرواية للروائي السعودي عزيز محمد الذي لفت الأنظار لكونه أصغر روائي يصل لتلك القائمة الأدبية الرفيعة، وكذلك لأنها روايته الأولى، فهو من مواليد عام 1987، وله كتابات في المجال الثقافي والسينمائي في عدد من الإصدرات المتخصصة.
وحازت روايته “الحالة الحرجة للمدعو ك”، الصادرة عن دار التنوير، على استحسان القراء والمطلعين، فالنص يقع في منطقة كابوسية استطاع أن يجيد الولوج إلى دهاليزها عبر بطله العشريني الذي يعاني الألم والوحدة وهو في مواجهة عنيفة مع مرض السرطان.