الوصف
يعد الخيال أحد العناصر الرئيسة في العمل الأدبي أو الإبداعي بشكل عام, فهو الذي يعطي العمل الفني قيمته, ونكهته, ويميز النص الأدبي عما سواه من النصوص، حيث يحلّق بالقارئ في الآفاق الرحبة، ويخلق له دنيا جديدة، وعوالم لا مرئية.
ولا يكاد يخلو نص إبداعي من الخيال، إذ أضحى الخيال أحد مقاييس الإبداع، وهناك من يسجل مثلبة على أي نص يخلو منه، وكأنه الروح التي يتوهج بها الإبداع، ولطالما حكم على بعض النصوص بأنها من دون روح؛ مادامت خلوا من الخيال.
ولأن الخيال هو روح النص ؛ أرادت الباحثة الدكتورة دينا ملكاوي أن يكون كتابها الصادر مؤخراً عن الآن ناشرون وموزّعون في عمّان، بعنوان: ” النثر الخيالي في الأندلس” ، وخصصت البحث فيه في القرنين الخامس والسادس الهجريين، ويقع الكتاب في 314 صفحة من القطع الكبير.
وقد قامت باختيار هذه المساحة الزمانية و المكانية؛ لما وجدته فيها من مادة خصبة و متنوعة، تسهم في إغناء الكتاب وإفادته، حيث حقق النثر الفني الأندلسي في هذين القرنين طفرة هائلة على درب التطور والنضج، واستطاع الأدباء الأندلسيون في هذه المرحلة، بموهبتهم وبراعتهم الأدبية، أن يضيفوا إلى النثر الأندلسي معاني جديدة، تعبّر عمّا أملته عليهم ظروف بيئتهم وعصرهم.
وقد وقفت الباحثة في كتابها على بعض الأشكال النثرية الأندلسية، التي ارتكزت على الخيال، واتخذت منه إطارا عاما لها، في القرنين الخامس والسادس الهجريين.
والمقصود بالخيال في هذا الكتاب هو ذاك الخيال الذي يجعله الأديب أساس الأداء في النص ، أي الإطار الإبداعي كله، وليس الأسلوب الذي يستخدمه الكاتب لقضاء غرض بياني فحسب.
ومن الأجناس الأدبية التي وقف عليها الكتاب:
أولاً: القصة بنوعيها: الأدبي و الفلسفي، وذلك من خلال قصة التوابع و الزوابع لابن شهيد الأندلسي (426هـ)، وهي قصة رحلة خيالية قصدت عالم الجن، وقصة حي بن يقظان لابن طفيل (581 هـ) وهي قصة فلسفية، تتحدث عن حياة رضيع بشري ترعاه غزالة في الغابة، حتى يكبر وتبدأ تتشكل لديه ملكة التفكير، ويطرح على نفسه أسئلة الوجود المعقّدة.
ثانياً: الرسائل الأدبية: و تتمثل بمجموعة من الرسائل كتبها بعض الأدباء الأندلسيين، واشتهرت باسم الزرزوريات، التي اتخذت من التودد والشفاعة والعتاب والكُدية أفقا، ومن السخرية الفكهة أداة، وأصل هذا النوع من الرسائل استثارة لفظية عابرة ، طوّرها الأدباء؛ لإبراز البراعة والسخرية ، وقد تجلى الخيال في هذه الرسائل من خلال توظيف الاستعارة، والتعبير المجازي، والمزج بين الحقيقة والخيال في ذكر صفات الرجل الزرزور .
ثالثاً: المقامات التي اتخذت الخيال في بعض مشاهدها أساسا للآداء، ومنها مقامة لأبي حفص بن الشهيد(440هـ) التي جعل الأديب فيها بطله ديكا خياليا حكيما، يجيد الخطابة، وينظم الشعر، والمقامة العنقاوية وهي إحدى مقامات السرقسطي (538 هـ) المعروفة بالمقامات اللزومية، وقد جعل مشهدا منها في وصف مغامرة خيالية عجائبية، حدثت مع بطل المقامة في أقصى بلاد المغرب .
رابعاً: المحاورات و المناظرات الخيالية التي أجريت على ألسنة الجمادات كالأزهار أو البلدان أو الأدوات، فإذا بهذه الكائنات تفصح عن فضائلها، وتتحاور فيما بينها، وتتباهى بمناقبها كما يتحاور البشر ويتباهون، ومن أشهرها المناظرة التي أجراها ابن برد(440هـ) بين السيف والقلم، حيث أخذ كل منهما يمدح نفسه باستخدام الحجج العقلية، والتماس البراهين على أقواله في القرآن الكريم، والتراث العربي.
خامساً: الرحلات التي يعتمد الرحالة فيها على إيراد العجائب والغرائب، كرحلة أبي حامد الغرناطي (565 هـ) التي سمّاها (تحفة الألباب ونخبة الإعجاب)، والتي تنطوي على الكثير من الخيال، وتتضمن عوالم غريبة، وكائنات عجيبة، تنأى عن الواقع، وتجنح إلى التحليق بالخيال.
ومن خلال دراسة الأجناس الأدبية السابقة الذكر يسهم الكتاب في بناء صورة واضحة القسمات لهذا النوع من النثر في تلك المرحلة، وذلك من خلال استقراء النصوص الأدبية، والوقوف على مضامينها وتأويلاتها، ثم الكشف عن خصائصها الفنية والأسلوبية، وذلك بدراسة بنائها اللغوي، وأسلوبها القصصي، وما استخدمه الأدباء فيها من محسنات لفظية ومعنوية تخدم نصوصهم وتغنيها، وكذلك سلّط الضوء على الصورة الأدبية فيها، من حيث مصادرها وأشكالها.
ثم نظر في مدى براعة الأدباء في استلهام التراث الديني، والأدبي، والفكري في نصوصهم النثرية الخيالية، حيث كانوا يختزنون في ذاكرتهم تراثا غنيا، متعدد الجوانب، متنوّع الروافد، أسهم في بناء إبداعاتهم، وأغنى نصوصهم فنيا، وموضوعيا.
وتقدِّم الكاتبة تحليلاً وافياً لإحدى رسائل ابن أبي الخصال التي أنشأها في الزرزور، للوقوف على شكلها ومضمونها، ومظاهر الجدّة والطرافة والخيال فيها.
ينفض الكتاب الغبار عن إبداعات الخيال الأندلسي في فنون النثر، كما أنه لا يخلو أيضا من إبداع لمؤلفته، وتميّز واضح في رؤيته ومنهجه وأسلوبه ولغته وفوائده وأهدافه.
عن المؤلفة:
يذكر أن الباحثة الدكتورة دينا ملكاوي ولدت في عمّان 1987، وحصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وأدابها, في الجامعة الأردنية 2009، ثم الماجستير في الدراسات الأدبية والنقدية, في قسم اللغة العربية, في جامعة العلوم الإسلامية العالمية, سنة 2012، وحصلت على منحة دراسية لتفوقها, للحصول على درجة الدكتوراة, في الدراسات الأدبية والنقدية, في قسم اللغة العربية في الجامعة نفسها 2016.
عملت مدرسة للغة العربية للناطقين بغيرها، ومحرّرة صحفية في عدد من المواقع الإخبارية والأدبية، كما نالت جائزة سواليف الأدبية, للدورة السادسة لسنة2017, عن فئة القصة القصيرة، ولها عدد من الأبحاث المنشورة .