دين الحياء – من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني (3) روح الحجاب

عنوان الكتاب دين الحياء – من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني (3) روح الحجاب
المؤلف د. طه عبد الرحمن
الناشر  المؤسسة العربية للفكر والإبداع
البلد بيروت
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 184

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

دين الحياء – من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني (3) روح الحجاب

تُعد قضية “الحجاب” كواحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدال في الوقت الراهن على المستوى “السوسيو ثقافي” العالمي، ما بين مؤيد ومعارض، مشجع ومنتقد، من يعتبره من الدين، ومن يراه بدعة لا أصل لها. وفي هذا الصدد السجالي، يسوق كل طرف أدلته لإثبات نظريته، وتُطرح آراء كثيرة من تيارات مختلفة، خاصة بعد الزج بالحجاب في قضايا السياسة المعاصرة.
ونظراً لأهمية هذه القضية، والجدل المثار حولها، خصص لها الأكاديمي المغربي الدكتور طه عبد الرحمن الجزء الثالث من كتابه ” دين الحياء – من الفقه الائتماري الى الفقه الائتماني”، تحت عنوان “روح الحجاب”.
وفي هذا الكتاب، يرد عبد الرحمن على الاعتراضات المثارة على “التحجب”، في مقابل ظاهرة “التكشّف” العالمية، بناء على الأصول العامة للفقه الائتماني، مجتهدًا في دحض دعاوى الحضارة المعاصرة التي تأثر بها المسلم فيما يتعلق بها. ويهدف الفيلسوف من كتابه أيضًا إلى مساعدة المسلم في أن تيّقن ما التبس عليه في هذه القضية، عن طريق الاستدلال العقلي، وليس بطريق التقرير العقدي، حتى يمكنه الخروج من هذا الاضطراب ويصبح مطمئنًا إلى شعائره الدينية.
ألوان من الطعن
في مقدمة الكتاب، يؤكد عبد الرحمن أن ما تعرض له الحجاب في المجتمع المعاصر من ألوان الطعن، وما تعرضت له المحتجبات من أشكال القدح غير مسبوق في التاريخ الحديث.
وإلى ذلك، زعم خصوم الحجاب أن المرأة المسلمة أُرغمت على ارتداءه بغية “إخضاعها للرجل” وانتزاع كل حقوقها، ومنعها من استعمال جسدها، فلم يعد هذا الجسد في ملكها بل عاد في ملك الرجل، وهكذا يكون الحجاب – في زعمهم- “وسيلة لقهر المرأة ومحوًا لقدراتها وشلاً لحركتها”.
ويوضح المؤلف أن الحجاب، من وجهة هؤلاء الخصوم، لا يسلب المرأة إمكاناتها في الحركة فحسب، بل أيضًا يسلبها إمكاناتها في التواصل مع غيرها. وقد تمادى هؤلاء فزعموا أيضاً أن الحجاب لباس يقود إلى “الانحراف” بحجة أنه ينزع عن الواقع وصفه مستبدلاً به الخيال، فيفتح الباب للذكور لأن يتوهموا ما شاءوا من “ألوان الفاحشة” حتى أن الأزواج يجدون في هذا اللباس بديلاً من البكارة.
كما زعم خصوم الحجاب كذلك أن تحجّب المرأة المسلمة ليس من الدين في شيء، مبررين زعمهم هذا بأنه “لم يثبت أنه أمر إلهي مُحكم”، فلا هو بمعتقد إيماني، ولا بعمل تعبدي، ولا بسلوك روحي، وإنما هو شيء ابتدعه الفقهاء الذين ظلوا يشرعون لتسلط الرجل على المرأة وقننه “الإسلاميون الأصوليون” الذين جعلوا من الدين فكرانية سياسية.
وإزاء ذلك كله، يؤكد فيلسوفنا أن حاجة المسلم المعاصر إلى العدة الاستدلالية وظاهرة الطعن في أخلاق الإسلام متمثلة في الحجاب، سببان كافيان يدفعان إلى الإسراع بإنشاء فضاء فكري جديد يكون مبنيًا على ثوابت الإسلام ومؤهلاً لمواجهة التحديات الدينية والأخلاقية المعاصرة، بحيث يستطيع المسلم أن يتحرك فيه تحرك الخصم في فضائه الفكري، فيحاوره محاورة الند للند.
والفضاء الفكري المطلوب – من وجهة نظر عبد الرحمن- هو الذي يسهم النظر الائتماني في إنشائه، متصديًا لهذه التحديات التي تواجه المرأة المحتجبة في المجتمع المعاصر وهو نزع الحرية الدينية عنها، في الوقت الذي يتزين به غيرها من “النساء المتكّشفات”، فهذا النظر يقوم بتزويد المحتجبة بالأدلة العقلية التي تحتاجها في التصدي لذلك التمييز الظالم.
ويؤكد عبد الرحمن في الفصل الأول من كتابه “روح الحجاب” أن “اختصاص المرأة به امتياز لها عن غيرها من الناس”، موضحًا أن الحجاب عبارة عن “علاقة روحية تختار المرأة أن تقيمها مع سواها”، وأن هذه العلاقة الروحية توجب ما لا توجبه العلاقة المادية، بل قد توجب ضد ما توجبه تلك. فإذا كانت العلاقة المادية قد “تتسّفل”، فإن العلاقة الروحية – على عكسها- لا تتّسفل أبدًا، بل الأصل فيها أن تجعل أحد طرفيها يرتقي بالآخر ولا ارتقاء بغير إظهار الاعتبار له، وأولى درجات الاعتبار أن تنظر الذات إلى الآخر على أن له ما لها من الحقوق، وعليه ما عليها من الواجبات.
إن ذات الحجاب – من وجهة العلاّمة المغربي- تحرص على أن ترتقي بمعاملتها مع الآخر، فلا يسعها إلا أن تعتبره مماثلاً لها، حتى ولو لم يبادلها هذا الاعتبار، فعلاقة الحجاب تستمد صبغتها الروحية من كون المسلمة تقدّم “نظر الله إليها على نظر الآخرين إليها”.
وتدرك ذات الحجاب، بفضل تقدير النظر الإلهي، قربًا يجعلها لا تراعي في تعاملها معهم إلا ما يوجبه هذا النظر الأعلى، فيصير حجابها القريب من ربها واقيا لها ولهم مما يضر بهذا التعامل الروحي، مفضيًا إلى قطع العلاقة بينهما.
ويشير الكاتب، في ختام هذا الفصل، إلى أن علاقة الحجاب باب واسع من أبواب تخلّق المرأة، وأن التخلّق على نوعين: التخلق القاصر، وهو تخلّق فيه أن يعود نفعه على الذات أي أنه علاقة بالذات. والنوع الثاني هو التخلّق المتعدي، والأصل فيه أن يتعدى نفعه إلى الغير، أي علاقته بالغير، غير أن التخلّقين وإن اختلفا من حيث آثارهما فإنهما متحدان من حيث التوسط بالنظر الإلهي، فالإنسان يتخلّق مع نفسه ومع غيره، وهو متصور لوجود هذا النظر الأسمى أو متحقق منه ومدخل المرأة إلى التخلق المتعدي هو الحجاب.
ادعاءات “علمانية” متهافتة
يخصص عبد الرحمن الفصل الثاني، من كتابه للرد على التُهم التي وجهها العلمانيون إلى الحجاب، وفي مقدمتها تهمة انتهاك الحجاب لمبدأ العلمانية، مستعرضًا الدعاوى التي ساقها هؤلاء العلمانيون فيما يخص التحجب.
يُبطل عبد الرحمن دعوى إلزام المرأة بالحجاب، ودعوى إهانة المرأة وإهدار كرامتها ودعوى ممارسة المحتجبة للتبشير بدينها، ودعوى “تسييس المحتجبة” للحجاب، حيث يزعم أولئك العلمانيون أن المحتجبة تناضل نضالاً سياسيًا لإقامة نظام إسلامي متخلف ومتطرف، وهو زعم يهدد “قيم الحداثة، والديمقراطية، والفردانية”، من وجهة نظرهم.
كما يُبطل عبد الرحمن أيضًا الدعوى التي تتهم الحجاب بأنه يحتل الفضاء العام، حيث يزعم العلمانيون أن الحجاب أخذ يغزو الفضاء العام وينتشر فيه بما يوجب التصدي له بقوة، مؤكدًا في رده على هذه الدعوى أن العلمانيين حرّفوا مفهوم “الفضاء العام”، كما فعلوا مع مفهوم “الشأن العام”، وضيّقوا “مفهوم الهوية” كما عكست دعواهم جهلهم بحقيقة مجتمعهم.
وفي الفصل الثالث، يرد الفيلسوف على إحدى التُهم الجنسية التي ألقاها خصوم الحجاب على المرأة، وهي تهمة “الإعماء أو التعمية”، ومؤدّاها أن الحجاب يمحو شخص المرأة، حيث يتعرض المؤلف للنظريات والكتابات التي جاءت في هذا الشأن.
ويؤكد عبد الرحمن أن التحليل النفسي الذي يصف العمل الجنسي بالإحاطة إنما يدعو إلى إخراج الإنسان من الحالة الائتمانية إلى الحالة الاختيانية، بل يدعو إلى استبدال موت الإنسان مكان حياته، وهذا الاستبدال هو الإعماء.

أما التهمة الجنسية الثانية، وهي “الإغواء”، فقد خصص لها الفصل الرابع من الكتاب حيث يرى خصوم الحجاب أنه يفضي إلى نقيض مقصوده، ويرجع مُجمل رأيهم إلى أن المقصود المبدئي من الحجاب هو “إخفاء أسباب الإثارة الجنسية التي تشكلها مفاتن المرأة عن أنظار الرجال”، لكن واقع الاحتجاب يخالف ذلك.
ويرى هؤلاء أن الحجاب يكشف عن هذه الأسباب المثيرة، مبرزًا “مفاتن المرأة” على طريقته، فهو يصير علامة دالة على حضور ما يخفيه منها مُحركاً دواعي الشهوة في الرجل ومتسببًا في إغرائه، بل غوايته، حتى أنه يجوز أن يعد الحجاب وسيلة لحفظ الإثارة الجنسية وإدامتها. والأدلة التي يسوقها هؤلاء لإثبات وجهة نظرهم هي أن “الحجاب يبرز أجزاءً من جسد المرأة دون أخرى”، وأنه “يُلهب قوة التخيل لدى الرجل، فيذهب كل مذهب في تصور ما وراء الحجاب من المفاتن مُضفيًا على المرأة من ألوان الإثارة ما لا تراه عينه”.
كذلك يرى هؤلاء أن الحجاب لا يُلغي إمكان تجاوز عتبة المنظور، ولا إمكان تعدي حد المحظور، وإنما هو – على العكس- يُبقي على هذا الإمكان بقوة، داعيًا الناظر إلى استحضاره وتقليب الفكر فيه، أي أنه بتعبير يزاوج بين الضدين الإظهار والإخفاء في جدلية صريحة، بل إنه يتوسل بأحدهما في الوصول إلى الآخر.
وكذلك يرى أولئك أن الحجاب قد ينتقل عن وضعه باعتباره وسيلة للاستمتاع بما وراءه من جسد، إلى وضع آخر يصبح فيه “متعة مطلوبة لذاتها”، وأنه يقبل التطوير حسب المزايا المثيرة، وحسب أذواق العصر كل ذلك يجعل من الحجاب أداة فعّالة في يد المرأة تمارس به “فنون الإغواء” على الرجال.
كل هذه الادعاءات يرفضها عبد الرحمن، مؤكدًا أن “النظر إلى الحجاب، باعتباره وظيفة أو أداة إغوائية، عبارة عن قلب للقيم الدينية، لأن حينها يمكن لأي عمل ديني أن ينقلب إلى ضده”.
وفي الفصل الخامس والأخير من الكتاب، يتناول عبد الرحمن التهمة الجنسية الثالثة، وهي تهمة الفقد، حيث ترى فئة من خصوم الحجاب أنه ينزل من المرأة “منزلة البكارة”، فيكون خلع الحجاب بذلك بمثابة افتضاض للبكارة، وهكذا، فإن المرأة وهي ترتدي حجابها “تتظاهر باسترجاع بكارتها، بينما الرجل وهو يخلع هذا الحجاب يتظاهر بافتضاضها”.
ويؤكد الكاتب، في معرض رده على هذه التهمة الجائرة، أن “العلاقة الجنسية بين جسد الرجل وجسد المرأة في المنظور الإسلامي ليست أبدًا علاقة بين جسدين خالصين، وإنما هي علاقة بين لباسين مسبلين فكل واحد من الزوجين يقوم مقام اللباس بالنسبة للآخر”.
ويختتم العلاّمة المغربي كتابه بالتأكيد على أن الحجاب هو “المظهر الملكي للحياء”، لذلك وجب أن تكون شهودية أخلاق الحجاب من شهودية أخلاق الحياء، ولزم أن يكون الحجاب هو الأساس الملكي الذي تُبنى عليه الأخلاق الإسلامية الرفيعة، كما أن الحياء هو الأساس الملكوتي الذي تبنى عليه هذه الأخلاق، وهكذا تكون الأخلاق الإسلامية أخلاقًا شهودية، باطنها الحياء وظاهرها الحجاب.

دين الحياء – من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني (3) روح الحجاب

لمزيد من الكتب.. زوروا منصة الكتب العالمية

TOP