الوصف
هذا الكتاب بمنزلة خطوة أولى لتخليد إبداع المترجم العظيم “عبد القادر عبد اللي” من خلال مقالات وأبحاث نشرها في دوريات مختلفة عن الثقافة والأدب والترجمة والفنون.
كان المترجم والتشكيلي والكاتب السوري الراحل، عبد القادر عبد اللّي، يرى العمر “أقصرَ من أن نُهدره باللهو والخلافات والضغينة”. توفي قبل عام عن ستين عاما. يكفي أن نعرف أنه أنجز 45 بالمائة من كل الترجمات من الأدب التركي إلى اللغة العربية، لنقع على ما كانت عليه جدّيّته الباهظة في عمله، أو في شغله على الأصح. ولكن هذا المنتوج الذي بذره عبد اللّي في أرض الثقافة العربية، ويُخبرنا بكمِّه المستعرِب التركي، محمد حقي صوتشين، ليس هو كل ما أعطاه صاحبنا. ثمّة شيءٌ آخر، بالغ الجوهرية والأهمية، إنه إلحاح عبد اللّي على وجوب أن يعرف الأتراك والعرب بعضَهم، أن يستكشفوا المشترك والجامع الكثير بينهما، وبين ثقافتيْهما، وأن يقرأوا آداب كلٍّ منهما. لم يكن الرجل داعيةً سياسيا، ولم يعمل في الدبلوماسية، ولم يشتغل في الشأن التاريخي والثقافي العام تماما، ولا في مباحث العلاقات السياسية والتجارية بين الأتراك والعرب، وإنْ كتب، عارضا، في هذا كله اجتهاداتٍ حاذقةً، غير أن أطروحته المتحدّث عنها هنا مبثوثةٌ في مقالاتٍ نشرها ومقابلاتٍ معه وندواتٍ شارك فيها، جاء مفيدا “جمع” المتيسّر منها، سيما مما نُشر في السنوات العشر الأخيرة (بعضها في “العربي الجديد”)، في كتابٍ أصدرته، في فبراير/ شباط الماضي، دار ميسلون للطباعة والنشر والتوزيع في غازي عنتاب، وأعدّه محمد حقّي صوتشين، “تركيا بعيوني.. ثقافة، أدب، ترجمة، فنون” (256 صفحة).
كتب كثيرون، عند وفاة عبد القادر عبد اللّي، إنه كان جسرا متينا بين الثقافتين، العربية والتركية، غير أن هذا القول، على صحّته التامة، لا يضيء على الراحل بالمقادير اللازمة، ولعل أهم ما يمنحه الكتاب لقرّائه إيحاؤه لهم بأن جسورا أخرى يلزم أن تقوم، لأن من اللازم أكثر أن تزيد أعداد العابرين والمارّين بين ضفاف هذه الجسور، عربا وأتراكا. يذهب عبد اللّي إلى مناطق الحرج والحساسية بين الطرفين، منها ما يروج بيننا نحن العرب، في مناهج التعليم، إن الحكم العثماني كان من أهم أسباب تخلفنا الحضاري، وما يدرسه الأتراك أن جيوشهم هي التي أنقذت العرب والمسلمين من مطامع الفرنجة. لكن عبد اللّي يذهب إلى مناطق أدْعى إلى الاكتراث من تلك القصة، والبناء عليها، منها وجود قيم لغوية مشتركة كبيرة بين الأتراك والعرب. ويكتب “عندما نسمع عبارة وجود تاريخٍ مشترك، وقيم مشتركة بين شعبين، فهذا يفرض على الأقل أن يوحي لنا بأن أمامنا عملا كبيرا جدا، يجب علينا أن ننجزه لتجاوز حالة سلبية”. ويؤشّر، في موضوع متصل، إلى ما أحدثته المسلسلات التركية (أعدّ عبد اللّي الترجمة المدبلجة لبعضها) في الفضائيات العربية من تعريفٍ بعاداتٍ جميلةٍ مشتركة.
للراحل أطروحة ماجستير عن الأمثال المشتركة أو المتشابهة بين العربية والتركية. نعرف ذلك من مقدمة صوتشين، غير أن الكتاب يشتمل على إضاءةٍ منه على الموضوع، تفيد بأن الكلمات ذات الجذور العربية تشغل نسبة كبيرة من اللغة التركية، وفيها أن التجربة الإنسانية للشعبين مرّت من دروب ومنعطفات واحدة، ولهذا أنتجت خلاصاتٍ حياتيةً على شكل أمثال شعبية مشتركة أو متطابقة. وعندما يسأل المترجم المجرّب: ما هو العامل الذي يضمن المعرفة الجيدة بين أناسٍ من مجتمعاتٍ مختلفة؟ يجيب: الأدب.. وهذا جوابٌ تؤكد صحته شواهدُ بلا عدد، سيما إذا أضيفت الفنون بأنواعها إلى الآداب بأجناسها، غير أن قناعة عبد القادر عبد اللّي بهذا لا تجعله يُشيح بصره عن مشكلة أنه، فيما حققت الترجمة من التركية إلى العربية، بدءا من الثمانينيات، قفزة بالكم، فإنها لم تقدّم كثيرا على صعيد النوع، ويكتب إن غالبية هذه الترجمات كانت في الأدب، والقليل جدا منها في التاريخ.
ثمّة اجتهاداتٌ وفيرةٌ في الكتاب، يدلي بها الكاتب الراحل في شؤونٍ غير قليلة، فيما يخص الترجمة، والعلاقات الثقافية بين الأتراك والعرب، تجتمع كلها على وجوب معرفةٍ أوفى بينهما. إنه يُخبرنا أن 260 عنوانا تُرجمت من التركية إلى العربية في 133 عاما، ويقول إن هذا رقمٌ صادم، مع تأجيل الحديث عن سويّة الترجمة والخيارات. وبعد تفاصيل (إحصائية ونوعية)، ينتهي إلى تأكيد “جهلنا”، إلى درجةٍ كبيرةٍ، بشعبٍ “عشنا معه أكثر من عشرة قرون”.. وهو “الجار الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا”. وتركيا عبد القادر عبد اللّي هي ثقافتُها وأدبُها.
للراحل أطروحة ماجستير عن الأمثال المشتركة أو المتشابهة بين العربية والتركية. نعرف ذلك من مقدمة صوتشين، غير أن الكتاب يشتمل على إضاءةٍ منه على الموضوع، تفيد بأن الكلمات ذات الجذور العربية تشغل نسبة كبيرة من اللغة التركية، وفيها أن التجربة الإنسانية للشعبين مرّت من دروب ومنعطفات واحدة، ولهذا أنتجت خلاصاتٍ حياتيةً على شكل أمثال شعبية مشتركة أو متطابقة. وعندما يسأل المترجم المجرّب: ما هو العامل الذي يضمن المعرفة الجيدة بين أناسٍ من مجتمعاتٍ مختلفة؟ يجيب: الأدب.. وهذا جوابٌ تؤكد صحته شواهدُ بلا عدد، سيما إذا أضيفت الفنون بأنواعها إلى الآداب بأجناسها، غير أن قناعة عبد القادر عبد اللّي بهذا لا تجعله يُشيح بصره عن مشكلة أنه، فيما حققت الترجمة من التركية إلى العربية، بدءا من الثمانينيات، قفزة بالكم، فإنها لم تقدّم كثيرا على صعيد النوع، ويكتب إن غالبية هذه الترجمات كانت في الأدب، والقليل جدا منها في التاريخ.
ثمّة اجتهاداتٌ وفيرةٌ في الكتاب، يدلي بها الكاتب الراحل في شؤونٍ غير قليلة، فيما يخص الترجمة، والعلاقات الثقافية بين الأتراك والعرب، تجتمع كلها على وجوب معرفةٍ أوفى بينهما. إنه يُخبرنا أن 260 عنوانا تُرجمت من التركية إلى العربية في 133 عاما، ويقول إن هذا رقمٌ صادم، مع تأجيل الحديث عن سويّة الترجمة والخيارات. وبعد تفاصيل (إحصائية ونوعية)، ينتهي إلى تأكيد “جهلنا”، إلى درجةٍ كبيرةٍ، بشعبٍ “عشنا معه أكثر من عشرة قرون”.. وهو “الجار الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا”. وتركيا عبد القادر عبد اللّي هي ثقافتُها وأدبُها.
إعداد
محمد حقي صوتشين
أستاذ جامعي ومترجم للأدب العربي. تخرّج في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة أنقرة سنة 1993. ترأس لجان حكومية لإعداد مناهج اللغة العربية في تركيا. وأشرف على ورشات الترجمة الأدبية بين اللغتين العربية والتركية.
كان عضوًا في لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية في دورة 2014 وجائزة الشيخ حمد للترجمة في دورة 2015. ترجم كتبًا لجبران خليل جبران ومحمود درويش ونزار قباني وأدونيس ومحمد بنيس ويحيى حقي وأمين الخولي وابن حزم وغيرهم، وألّف كتبًا في نظرية الترجمة والأدب العربي واللغة العربية، يعمل حاليًا بجامعة غازي في أنقرة.