غورنيكات سورية.. مرويات من النافذة الخلفية لأيام الوجع السوري

عنوان الكتاب غورنيكات سورية
المؤلف نجاة عبد الصمد
الناشر  دار مدارك
البلد الإمارات
تاريخ النشر 2017
عدد الصفحات 188

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

تعرض الكاتبة والطبيبة نجاة عبد الصمد في كتابها غورنيكات سورية ، مرويات من الوجع السوري الذي لم يسكن منذ ثلاث سنوات. نساء سوريات يجمعهن الحزن والألم ومرويات من أيام تمر ثقيلة عليهن.
تختار الكاتبة عنوانا فرعيا لكتابها مرويات من النافذة الخلفية لأيام الوجع السوري لأن كل ما تكتبه هو ناتج عن مشاهدات حية لأمهات وزوجات وفقراء وأطفال يواجهون الألم بأمل يتضاءل يوما بعد يوم.
في يومياتها تعكس الكاتبة معاناة النازحين والخائفين والفقراء الذين هم ملح الأرض ووقود الحروب المدمرة. من دمشق وحمص وحلب إلى السويداء، ومن زينب ورغد وفاطمة إلى حكيم وريبال وراعي الأغنام، تنتقل الكاتبة من نص إلى آخر، من غير أن تتبدل لغتها الصارخة في وجه الحرب. تنــقل آلام الناس، وبخاصة المرأة والطفل. ومن خلالهما تعري عبد الصمد الواقع السوري كما هو، بكل ما يحمل من قسوة وتشوهات.
ترصد نجاة عبد الصمد ما تراه في مدينتها التي تحولت إلى مأوى للهاربين من الموت المحتم في مدنهم. تصف وجوهاً مهمومة تصادفها في عيادتها. تتأمل عابرين غابت ملامحهم في العبوس. تتمنى لو أنها قابلت هؤلاء النسوة في مدينتها سائحات لا نازحات مذعورات.
تقول : سنوات طويلة وأنا أدخل عيادتي كل صباح. أصافح الوجوه المنتظرة بقلق وأشحن روحي برجائها. عساي – على قدر استطاعتي ألبي هذا الرجاء… كم يتشابه الناس هنا، كم هم متعبون.
يزاوج كتاب نجاة عبد الصمد بين القصة القصيرة والمشاهدة الواقعية. تنفصل النصوص وتختلف شخصياتها ليبقى الإنسان الموجوع هو الخيط الواصل بينها.
يضم الكتاب 47 حكاية، بل 47 لوحة، فكل حكاية هي عبارة عن لوحة ولكن رسمت بطريقة ليس فيها دور للفرشاة والألوان، لوحات تنقلنا كل واحدة منها إلى مكان مختلف ثم تعود وتلتقي كلها لتضع إصبعها على جرح واحد.. سوريا. يتراءى لنا في كل لوحة الخوف والموت والرعب والامل، كهذه اللوحة:
سلّموني رشاشا – قال لي.. وقالوا: إضرب يا وحش!
وأنا لا أعرف بعد كيف أصير وحشاً!
ثقيلاً كان هذا الرشاشُ على كتفي يا أمي
كيف لي أن أحمله – قال لي.. أنا الذي لم تتركيني أحمل إلى البيت ربطة خبز!
ولم أحمل كتاباً ولا معولاً.. ولم أحمل حتى جسدي
ولم تحملني حتى رئتاي.. جئت إلى الدنيا نكرة مريضة
وأخرج منها اليوم صفحةً بيضاء.. لم أقل لك: سامحيني
أروح وفي حلقي اعتراف وحيد:
لم أصر وحشا؛ ولم يبصق رشاشي في وجه أحد!
في كل مشهد توثق لنا الأحداث وكأن كاميرا تصوير تصر على التقاط هذه المشاهد، متنقلة بين حكاية وأخرى لتنقلها لنا بالصوت لدرجة ان واقعية الأحداث والشخصيات تنسيك أن ما تراه من أحرف وكلمات، فتتحول الأسطر أمامك إلى مشاهد حية وأصوات حقيقية.
تروي لنا قصة وطن استباحته القذائف قصص أناس فقدو بيوتهم، أطفال تيتموا، زوجات فقدوا أزواجهم ويبقى الانتظار هو الأمل الوحيد عندهم، أمل العودة ولكن إلى أين؟ فبيوتهم تشظت تحت القصف، أزواجهم وابنائهم منهم من اصبح شهيدا ومنهم من اعتقل ومنهم من كان مفقودا ولا يعرفون أي خبر عنهم. فالنزوح موتٌ صغير.. النزوح مهانة..
تصف لنا حال أم الشهيد التي لا تزال واقفة عند عتبة الباب تودع ابنها وتنتظر بشوق أن يعود من خدمته والتي لم يعد يهمها كيف قتل، بل كل ما تريده هو أن تنزع عنه كفنه كما كانت تنزع عنه الغطاء ليستيقظ .. فلكي تروي يجب ان تعيش وان تكون شاهدا على الحكاية. هذه المرويات ليس إلا وصفاً لواقع شعب تشرد من بيته ونزح، فاختار أن يعيش الحرية والكرامة ولو للحظة، حتى لو كانت هذه اللحظة هي لحظة الموت. سيعودون يوماً إلى مدنهم وقراهم ومآويهم، وسيحكون. سيقولون ما في ضمائرنا: ربنا واحد ووطننا واحد وجرحنا واحد… وما خلا ذلك سقط متاع.
تحكي اللوحات عن عشرات النازحين وهم يتابعون قراءة قرآنهم، وصلواتهم، في الكنائس. عن الموتى اللجوجين، والشهداء الأكثر لجوجا بينهم، عندما يأتون في المنامات كي يدفئوا نسائهم اللواتي بردن من دون بطانيات. عن أطفال فقدوا كل شيء قبل أن يتعلّموا حرفا واحداً قد يعينهم على تبريد مآسيهم ولو بكلمة صحيحة أو وصف صحيح. عن أرامل ترملن بسبب حب البلد. عن البيوت المهجورة، والثمار المهجورة قبل حصادها، والحياة المهجورة. بينما الحصاد كان يجري من الجو. كانوا هم الثمار التي يجب حصدها. هم الأرض التي يجري حرثها وتقليبها بآلات معدنية حادة وحارقة. تتحدث عن أناس صاروا فقراء لأنّهم فكروا بالحرية، ثم صاروا نازحين لأنّهم هتفوا للحرية، ثم صاروا موتى لأنّهم حزروا معنى هذه الكلمة الغامضة. 
قد يبدو العنوان، للوهلة الأولى، غريباً، ولكن بعد الفراغ من الكتاب، نشعر بأن ثمة رابطا بين مرويات الكتاب وإحدى لوحات بيكاسو التي رسمها عام 1937 بعد قصف الطيران النازي الألماني لقرية غورنيكا في شمال إسبانيا. كأن الكاتبة استعارت بأسلوبها المبتكر دمار غورنيكا قبيل الحرب العالمية الثانية لتومئ من خلاله إلى دمار سورية اليوم. وكما تتراءى الظلمة والموت والخوف والتفكك في لوحة بيكاسو الشهيرة، تتراءى كذلك في نصوص نقلتها نجاة عبد الصمد من صميم الوجع السوري الراهن.
الكاتبة 
نجاة عبد الصمد ، طبيبة توليد وجراحة نسائية، وكاتبة سورية مقيمة في السويداء . من مؤلفاتها: مذكرات طبيب شاب (قصص) ، خفايا الشباب والجمال لمؤلفته فاندا لاشنيفا ترجمة عن الروسية، بلاد المنافي (رواية)، .

(عرض/ محمد سيد بركة)

TOP