هل مصر بلد فقير حقًا؟

عنوان الكتاب هل مصر بلد فقير حقًا
المؤلف عبد الخالق فاروق
الناشر مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية
البلد القاهرة
تاريخ النشر 2018
عدد الصفحات 190

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

هل نحن في بلد فقير؟ موارد الدولة تجيبك

للإجابة على هذا التساؤل يمكن الرجوع إلى أرض الواقع، الذي تنفي مؤشراته إمكانية أن تكون مصر بلدًا فقيرًا، فهي دولة غنية بالفعل. يظهر هذا الغنى في حجم مشتريات المصريين من الفيلات والقصور، والتي بلغت نحو 415 مليار دولار خلال الفترة (1980 – 2011).

وإذا كانت تلك القصور لا يُقبل على شرائها سوى الطبقة العليا من المجتمع، فالطبقة الوسطى هي الأخرى ليست بعيدة عن هذا الغنى. فقد كشفت الأموال التي جُمعت من المصريين في أقل من أسبوعين من أجل حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس (2014)، والتي تجاوزت 64 مليار جنيه عن مقدار المدخرات لدى المصريين، وقدرتهم على تعبئة الفائض، إذا ما توافرت الثقة في القيادة السياسية.

الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد غنى الدولة المصرية وتوافر قدراتها المالية، ويُمكن توضيح أبرزها على سبيل المثال لا الحصر كالتالي:

1. تقارير منظمة النزاهة المالية الدولية

أشارت تقارير المنظمة إلى أن حجم التدفقات غير المشروعة من مصر إلى الخارج نتيجة للفساد الحكومي يُقدر بحوالي 57 مليار دولار خلال الفترة (2000-2008).

2. المباني الحكومية

بالطبع يصعب حصر المباني الحكومية وتكلفتها، فقد نشأت فعليًا منذ بداية عصر محمد علي مع مطلع القرن الـ 19 وتطورت عامًا بعد عام، ولكن هذا لا يمنع من إمكانية حصر الثروة العقارية  للحكومة، والتي تشمل المباني العادية؛ كالعمارة أو المنزل أو الفيلا.

فقد أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانًا وضّح خلاله أن عدد المباني الحكومية، سواء للعمل أو للسكن، عام 2006 بلغت نحو  440.990 مبنى، هذه المباني يُنفَق على تشغيلها من الموازنة العامة للدولة، حيث بلغ حجم الإنفاق عليها (إيجار ومياه وإنارة فقط) نحو 22 مليار جنيه خلال الفترة (2005 – 2010)، بينما تكلف الإنفاق عليها منذ أكثر من خمسين عامًا ما يعادل 299.3 مليار جنيه، وفقًا لأسعار عام 2010.

وبالرغم من هذا الإنفاق المرتفع، فإن الدولة مستمرة في زيادة عدد المباني سنويًّا والإنفاق عليها بإسراف مبالغ فيه، ما يشير إلى أن مصر ليست بالدولة الفقيرة.

3. السيارات الحكومية

تراوح عدد المركبات المستخدمة في القطاعات الحكومية بين 77 ألف مركبة و86 ألف مركبة، دون أن يشمل هذا الحصر القطاعات الرئاسية (رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية). وقد بلغ الإنفاق على هذه المركبات (وقود وصيانة) خلال العام الماضي (2017) نحو 1481 مليون جنيه، وإذا أضفنا إليها الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام فإن الرقم يتجاوز 3000 مليون جنيه.

أما إذا أضفنا ممتلكات الجهات الكبرى مثل رئاسة الجمهورية وأجهزة الرقابة، فالرقم قد يتجاوز 20 مليار جنيه. يأتي ذلك في دولة من المفترض أنها فقيرة، فهل بهذا الوضع تعد فقيرة حقًّا؟

4. العاصمة الإدارية الجديدة

ظهر المشروع على سطح الحياة السياسية والاقتصادية عام 2014، أُعلن أن تكلفته تصل إلى 45 مليار دولار، أي ما يعادل 810 مليارات جنيه، تموله شركات عالمية، ولكن ما حدث أن وقع المحظور وانسحبت هذه الشركات واحدة بعد الأخرى، ووقع المشروع على عاتق شركات مقاولات مصرية، ستحصل على مستحقاتها أولًا بأول من الخزينة العامة للدولة.

وبالرغم من توالي التصريحات التي تنفي تمويل المشروع من الموازنة العامة، فإن ما ظهر فيما بعد أن معظم الاستثمارات الواردة بالموازنة ستذهب مباشرة إلى مشروعات العاصمة وغيرها، وهكذا إذا كانت موازنة الدولة يُمكنها تمويل مشروع كبير كهذا، فهي ليست دولة فقيرة.

الأمر لا يتعلق بالفقر

تكشف تلك المؤشرات عن توافر قدرات مالية هائلة للدولة، وتؤكد أن الأمر لا يتعلق بالفقر، فهناك سبب آخر لسوء الأوضاع الاقتصادية، وهو الفساد وسوء إدارة موارد الدولة. وهناك العديد من الأمثلة التي تبرهن هذا، أبرزها التالي:

1. اقتصاد المحاسيب

يُقصد به الاقتصاد القائم على التواطؤ بين رجال المال والأعمال وبعضهم البعض من ناحية، وتواطؤ ومشاركة الدولة من ناحية أخرى. فهذا الاقتصاد يقوم على مجموعة من المشاريع التي يكون أصحابها على صلة بأفراد الحكم والإدارة، أو أعضاء الحزب الحاكم، كما كان الوضع خلال فترة الرئيس حسني مبارك.

يلعب هذا الاقتصاد دورًا كبيرًا في التأثير السلبي على قدرات الدولة المالية، عبر نهب هذه القدرات وتحويلها لصالح رجال الأعمال. الأمر الذي أكدته دراسة غربية صدرت عام 2013، أشارت إلى وجود أكثر من 469 شركة تحكّم بها 32 من كبار رجال الأعمال، الذين كانوا على صلة بنجل الرئيس حسني مبارك (جمال مبارك) والحزب الحاكم.

وضحت الدراسة أن تلك الشركات استغلت هذه الصلة لنهب موارد الدولة وقدراتها، عبر حصولها على الأراضي بأسعار بخسة، واحتكارها السوق ومنع المنافسة بمساعدة السلطة السياسية، فحصلت بذلك على أعلى الأرباح الممكنة.

2. الإسكان وتحدي الإدارة

أظهرت النتائج الأولية للتعداد العام للسكان والإسكان لعام 2017 أن عدد الشقق السكنية المغلقة قد بلغ 12 مليون شقة، ما يؤكد أن مشكلة الإسكان في مصر ليست مشكلة عرض، وأن الأمر لا يتعلق بالحاجة إلى مزيد من بناء الوحدات السكنية، كما تضمن برنامج الرئيس.

فهو يتعلق بمشكلة في الطلب وضعف قدرة المصريين -المحتاجين فعلًا إلى هذه الوحدات السكنية- على تلبية المطالب المبالغ فيها لأصحاب هذه الشقق، سواء بسبب انتشار نمط التمليك بأسعار فوق طاقة معظم المصريين، أو بسبب ارتفاع القيمة الإيجارية المطلوبة.

والتحدي الذي يواجه الدولة هو البحث عن صيغة أكثر توازنًا في استغلال هذه الثروة العقارية، وإلزام أصحابها بالتساهل سواء بالبيع أو التأجير بأسعار مناسبة، أو فرض ضرائب اجتماعية على إغلاق تلك الشقق دون استخدام.

3. القطاع الخاص وأزمات «أنبوبة البوتاجاز»

بين الحين والآخر تتفاقم أزمة «أنبوبة البوتاجاز»، سواء نتيجة عدم توافرها أو ارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه. وبينما يرى البعض أن هذا يعود إلى ندرة الغاز، فإن الواقع يؤكد أن هذه الندرة مصطنعة بفعل الفساد المنظم من قبل شركات رجال المال والأعمال التي سيطرت على العمل في هذا المجال.

فهذه الشركات تتحكم بأسواق الغاز عبر التلاعب بالكميات المعروضة من المنتجات البترولية والغازية بصورة دورية ومتكررة، وتصطنع حالة من الندرة، فترتفع بذلك الأسعار وتتزايد الأعباء على محدودي الدخل. وبالتالي الأمر لا يتعلق بالفقر، بل بالخلل في السياسات العامة وسوء الإدارة والفساد.

4. المنتجات البترولية والتلاعب بالدعم

يوجد نوعان من الدعم (الدعم الحقيقي والدعم الافتراضي)، فالأول يشير إلى ما تتحمله الخزانة العامة فعلًا من أعباء مالية نظير بيع السلعة أو الخدمة بأقل من تكاليف إنتاجها، بينما يذهب الثاني إلى ما يسمى (نفقة الفرصة البديلة)، أي حساب الفارق المالي الذي ضاع على الدولة بسبب بيع السلعة بأسعار تقل عن سعر بيع مثيلتها في الأسواق الدولية، حتى لو كانت هذه السلعة تُنتَج بتكاليف أقل من تكاليف إنتاج مثيلتها بالأسواق الدولية.

وتستند الحكومة منذ 2005 في تعريفها للدعم إلى المفهوم الثاني (الدعم الافتراضي)، وليس ما تتحمله فعلًا الخزانة العامة، وهنا مناط التلاعب. فالدولة تنتج نحو 63% من احتياجاتها من السولار، و50% من البنزين، و30% من أنبوبة البوتاجاز، بينما تستورد النسب الباقية من الخارج، خصوصًا من الدول العربية، التي تمنحها بعضها في صورة منح أو تعاقدات بتسهيلات في الدفع.

وبالرغم من هذه التسهيلات فإن سوء الإدارة سيطر أيضًا على هذا المجال، إذ تنازلت الحكومة عن بعض حقوقها في إنتاج البترول، كما خفّضت حصتها في الإتاوة من 15% إلى 10% فقط، ما أدى لخسارة قطاع البترول أكثر من 10 مليارات دولار طوال 30 عامًا ماضية لصالح الشركاء الأجانب تحت بند (تشجيع الاستثمار الأجنبي).

كذلك تساهلت وزارة البترول مع الشركاء الأجانب، فأصبحوا يحصلون على ما بين 60% و65% سنويًا من إنتاج الآبار المصرية، بينما في معظم الدول المنتجة ينبغي ألا تزيد حصة الشريك الأجنبي على 40% إلى 45% على الأكثر. وهكذا فجوهر الخلل كامن في طريقة إدارة الموارد البترولية، فنحن لسنا بلدًا فقيرًا، بل بلدًا مصابًا بانعدام الكفاءة في إدارة الموارد.

5. مرتبات وحوافز الوزراء

تُشكل مرتبات الوزراء أحد أبرز الأمثلة المعبرة عن حالة من التسيب في إدارة موارد الدولة، فبالرغم من صدور قرارات تقضي بتطبيق الحد الأقصى لأجور القيادات بما لا يزيد على 42 ألف جنيه، فقد ظل التلاعب في الشئون المالية قائمًا، خاصة في الوزارات والهيئات الحكومية التي تقل فيها قبضة أجهزة الرقابة، ربما لكونها وزارات كبرى.

من ضمن هذه الوزارات وزارة الداخلية، التي أشار بعض مستنداتها المالية -أثناء نظر بعض القضايا في المحاكم – إلى أن مرتب وزير الداخلية في أحد شهور عام 2013 لا يتجاوز 3750 جنيهًا، بينما تتجاوز الحوافز التي يحصل عليها شهريًّا 124 ألف جنيه، فهل بذلك مصر بلد فقير حقًا؟

ماذا عن الثروات المخفية؟

إذا كانت مصر بلدًا فقيرًا، فما استطاعت النخب الحاكمة تكوين ثروات طائلة طيلة السنوات الماضية. ولن يتم الرجوع إلى فترات زمنية بعيدة، فيكفي هنا الإشارة إلى الثروات جُنِيت في فترة الرئيس مبارك.

فقد أعلنت سويسرا العثور على 410 ملايين فرنك سويسري (أي ما يعادل 474 مليون دولار) تعود ملكيتها إلى مبارك شخصيًّا. كما أشارت صحيفة «لوماتان» السويسرية إلى أن السلطات وجدت أن جمال مبارك وشقيقه علاء يملكان حسابًا مصرفيًّا في بنك P.N.B الفرنسي يحتوي على 300 مليون دولار.

كذلك أشارت تقارير صحفية أخرى إلى قيام مبارك أثناء الثورة بتحويل مصرفي بمبلغ 620 مليون دولار من أحد حساباته في بنك (باركليز) البريطاني إلى بنك الاتحاد السويسري في جنيف. وبالطبع لم يكن هذا سوى نقطة في بحر أموال مخفية امتلكها الرجل طوال 48 عامًا في مناصبه العديدة (1972-2011).

الطريق نحو العلاج: روشتة إنقاذ الاقتصاد

على هذا النحو فمصر ليست بلدًا فقيرًا، لكنها تحتاج إلى طريق بديل لإدارتها وإنقاذ وضعها الاقتصادي. ودون الدخول في تفاصيل كثيرة، فهذا الطريق يتضمن خططًا متكاملة، وتنقل كل مرحلة منها للأخرى مباشرة، وهي: الخطط قصيرة الأجل لإنقاذ سريع للموقف، والخطط متوسطة الأجل.

أولًا: الخطط القصيرة الأجل

تستمر لنحو 3 سنوات، وتعمل على معالجة العجز في الموازنة العامة للدولة، عبر إعادة عدد من الخطوات:

1. النظر في النظام الضريبي الراهن الذي لا يعكس العدالة الاجتماعية، ولا يتمكن من تغطية النفقات المتزايدة للدولة. فالنظام الضريبي العادل يمكن أن يوفر ما بين 150 و300 مليار جنيه إضافية سنويًّا. ويتم ذلك عبر فرض الضريبة على أرباح الشركات والدخول المرتفعة للأغنياء بما لا يقل عن 35%.

2. إعادة هيكلة قطاع البترول والغاز، والذي يمكنه توفير ما لا يقل عن 20 مليار جنيه سنويًّا، وهذا يتطلب القضاء على شبكات المصالح التي تستفيد من القطاع  بأوضاعه الحالية.

3. إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة، التي يُنفق فيها مبالغ هائلة دون مقتضى، عبر تقليص عدد السيارات الحكومية والمباني الضخمة التي تنفق الكثير على تجديدها.

4. مراجعة نمط الأولويات التي تتخذها الحكومة الحالية، مثل العاصمة الإدارية التي ستمتص جزءًا كبيرًا من الفوائض المالية المتاحة لدى الأفراد والأغنياء، بدلًا من توجيهها وتشجيع الناس على الاستثمار في أسهم الشركات الصناعية.

ثانيًا: الخطط المتوسطة الأجل

تستغرق من 3 إلى 7 سنوات، وتهدف لتصحيح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد وتفكيك ركائز دولة الفساد عبر عدد من الإجراءات، كالتالي:

1. وضع قضية استرداد الأموال المنهوبة على رأس جدول أعمال الحكومة.

2. تنقية المنظومة القانونية من المواد التي تحمى الفاسدين، ووضع نظام عادل للأجور والمرتبات، وإعادة بناء الأجهزة الرقابية كافة.

3. وضع خطة عاجلة لتنمية القدرات الزراعية والصناعية لتوفير فرص العمل.

المصدر

TOP