أخلاقيات اللاعنف وقوتها

عنوان الكتاب أخلاقيات اللاعنف وقوتها
المؤلف جوديث بتلر
الناشر verso books
البلد بريطانيا/ أمريكا
تاريخ النشر 2020
عدد الصفحات 224

أشتري الكتاب حقوق الترجمة

الوصف

This post is also available in: English (الإنجليزية)

مع تزايد العنف بكل أشكاله في العالم، بسبب الصراعات، تتناول الأمريكية جوديث بتلر، معنى وأخلاقيات اللاعنف في الوقت الراهن، وعلاقته بالعنصرية الممنهجة وغيرها من الهياكل الاجتماعية القمعية في مجموعة من المقالات الجريئة. تقف في نقاشها عند آراء العديد من المفكرين والسياسيين بشأن تعريف واضح للعنف واللاعنف، تجنباً لاستغلال بعض المفاهيم لقمع المعارضات السياسية السلمية.

يوضح كتاب جوديث بتلر، كيف يجب أن ترتبط أخلاقيات اللاعنف بنضال سياسي أوسع نطاقاً من أجل المساواة الاجتماعية. علاوة على ذلك، تجادل بأن اللاعنف غالباً ما يساء فهمه على أنه ممارسة سلبية تنبثق عن منطقة هادئة في الروح، أو كعلاقة أخلاقية فردية مع أشكال السلطة الموجودة. لكن، في الواقع، اللاعنف هو موقف أخلاقي موجود في خضم المجال السياسي كما تقول، مضيفة: «تشير إحدى التحديات المعاصرة لسياسة اللاعنف إلى وجود اختلاف في الرأي حول ما يعتبر ضمن العنف واللاعنف».

تفسيرات ودلالات متضاربة

إن اعتبار اللاعنف كمشكلة أخلاقية في فلسفة سياسية ما يتطلب نقداً للفردانية، إضافة إلى فهم الأبعاد النفسية الاجتماعية للعنف بحسب الكاتبة التي تعتمد في تحليلها على كتابات ميشيل فوكو، فرانز فانون، وسيمغوند فرويد، ووالتر بنيامين. ومن خلال النظر في كيفية إفادة «الأوهام العرقية» في تبرير العنف الحكومي والإداري، تتتبع بتلر كيفية نسب العنف غالباً إلى أولئك الذين يتعرضون بشدة لآثاره الفتاكة. معلقة: «نجد أن النضال من أجل اللاعنف في حركات التحول الاجتماعي تعيد صياغة التظلم في الحياة في ضوء المساواة الاجتماعية، وتنبثق مطالباتها الأخلاقية من نظرة ثاقبة بشأن ترابط الحياة كأساس للمساواة الاجتماعية والسياسية».

تقول جوديث بتلر: «تواجه قضية اللاعنف استجابات متشككة من مختلف الأطياف السياسية. هناك من اليسار من يزعمون أن العنف وحده لديه القدرة على إحداث تحول اجتماعي واقتصادي جذري، وآخرون يدعون، بشكل متواضع أكثر، أن العنف يجب أن يظل أحد الأساليب المتاحة لنا لإحداث مثل هذا التغيير».

وترى أنه «يمكن للمرء أن يطرح حججاً لصالح اللاعنف أو، بدلاً من ذلك، استخداماً فعالاً أو استراتيجياً للعنف، لكن هذه الحجج لا يمكن إجراؤها علناً إلا إذا كان هناك اتفاق عام على ما يشكل العنف واللاعنف.. أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها أولئك الذين يؤيدون اللاعنف هو أن»العنف«و»اللاعنف«مصطلحان متنازع عليهما. على سبيل المثال، يصف بعض الأشخاص الألفاظ الجارحة بأنها»عنف«، بينما يدعي البعض الآخر أن اللغة، باستثناء حالة التهديدات الصريحة، لا يمكن وصفها»بالعنف«بشكل صحيح. ومع ذلك، يتمسك الآخرون بالآراء المقيدة للعنف، ويفهمون «الضربة» على أنها اللحظة المادية المحددة. يصر آخرون على أن الهياكل الاقتصادية والقانونية «عنيفة»، وأنها تعمل على الأجساد، حتى لو لم تتخذ دائماً شكل العنف الجسدي».

وتضيف: «في الواقع، يملك شكل الضربة بشكل ضمني بعض المناقشات الرئيسية حول العنف، مما يشير إلى أن العنف هو شيء يحدث بين طرفين في مواجهة ساخنة. ومن دون الخلاف على عنف الضربة الجسدية، يمكننا مع ذلك أن نصر على أن الهياكل أو الأنظمة الاجتماعية، بما في ذلك العنصرية الممنهجة، تكون عنيفة. في الواقع، أحياناً يكون الضرب الجسدي على الرأس أو الجسد تعبيراً عن العنف المنهجي، وعند هذه النقطة يجب أن يكون المرء قادراً على فهم علاقة الفعل بالهيكل أو النظام. لفهم العنف الهيكلي أو الممنهج، يحتاج المرء إلى تجاوز الحسابات الإيجابية التي تحد من فهمنا لكيفية عمل العنف. ويحتاج المرء إلى إيجاد أطر أكثر شمولاً من تلك التي تعتمد على شكلين، أحدهما مذهل والآخر يعاني خللاً ما».

تبريرات العنف السياسي

في النقاشات العامة، تقول الكاتبة نرى أن «العنف» مألوف، ودلالاته مناسبة بطرق تدعو إلى التنازع عليها. أحياناً ما تطلق الدول والمؤسسات صفة «عنيفة» على عدد من التعبيرات عن المعارضة السياسية، أو المجموعات المعارضة لسياسات رسمية معينة أو قيادات الإضرابات، حتى عندما لا تسعى إلى القتال المادي، أو إلى أشكال العنف الممنهج أو الهيكلي. عندما تفعل الدول أو المؤسسات الحاكمة ذلك، فإنها تسعى إلى إعادة تسمية الممارسات اللاعنفية على أنها عنيفة، وتدير حرباً سياسية، كما كانت، على مستوى الدلالات العامة.

ترى الكاتبة أن السلطة السياسية التي تسيء استخدام اللغة في مسألة وصف حركات تطالب بحرية التعبير مثلاً، تسعى إلى ضمان احتكارها للعنف من خلال إفساد المعارضة، وتبرير استخدام العنف من قبل الشرطة أو الجيش أو قوات الأمن ضد أولئك الذين يسعون إلى ممارسة الحرية والدفاع عنها بهذه الطريقة، وتقول: «ناقش الباحث في الدراسات الأمريكية تشاندان ريدي بأن الشكل الذي اتخذته الحداثة الليبرالية في الولايات المتحدة يفترض أن الدولة ضامن للحريات، وبالتالي عدم توجيه العنف ضد الأقليات العرقية، وضد جميع الشعوب التي توصف بأنها غير عقلانية وخارج المعيار القومي.. الدولة، في رأيه، تقوم على العنف العنصري وتستمر في إلحاق العنف بالأقليات بطرق منهجية. وبالتالي، يُفهم أن العنف العنصري يخدم الدفاع عن النفس بالنسبة للدولة. كم مرة في الولايات المتحدة تم اعتبار السود والملونين، سواء كانوا في الشارع أو في منازلهم»عنيفين«من قبل الشرطة التي تعتقلهم أو تطلق النار عليهم، حتى عندما يكونون غير مسلحين، وحتى عندما يمشون أو يهربون، أو عندما يحاولون تقديم شكوى بأنفسهم؟» من الغريب والمرعب أن نرى كيف يعمل الدفاع عن العنف في ظل هذه الظروف، بحسب بتلر، «لأن الهدف يجب أن يُنظر إليه على أنه تهديد، أو سفينة من العنف الحقيقي أو الفعلي، لكي تظهر إجراءات الشرطة المميتة كدفاع عن النفس».

تهديد فوضوي

عندما تجتمع مجموعة لمعارضة الرقابة أو الافتقار إلى الحريات الديمقراطية، وتسمى «الغوغاء»، أو تُفهم على أنها تهديد فوضوي أو مدمر للنظام الاجتماعي، عندئذٍ تتم تسمية المجموعة وتصنيفها على أنها عنيفة بشكل فعلي أو محتمل، وعندها يمكن للدولة تقديم مبرر للدفاع عن المجتمع ضد هذا التهديد العنيف بحسب بتلر. وتقول: «عندما تكون العواقب السجن أو الإصابة أو القتل، يظهر العنف في المشهد على أنه عنف من الدولة. مثلاً، تم اعتبار تظاهرة سلمية في متنزه غيزي في إسطنبول في عام 2013، أو الرسالة الداعية إلى السلام التي وقع عليها العديد من الأكاديميين الأتراك في عام 2016، على أنها»عنيفة«، وهذا التوصيف لا يتم إلا إذا كانت الدولة تملك وسائل إعلام خاصة بها أو تمارس هيمنة كافية على وسائل الإعلام. في ظل هذه الظروف، يُطلق على ممارسة الحق في التجمع مظهراً من مظاهر»الإرهاب«، والذي بدوره يستدعي رقابة الدولة، والضرب برش المياه من قبل الشرطة، والتوقيف عن العمل، والاحتجاز لأجل غير مسمى، والسجن، والنفي. إن تحديد العنف بطريقة واضحة ينبغي أن يحظى بتوافق الآراء، وهذا يثبت أنه من المستحيل القيام به في موقف سياسي؛ حيث تصبح سلطة نسب العنف إلى المعارضة نفسها أداة يمكن من خلالها تعزيز سلطة الدولة، لتشويه سمعة أهداف المعارضة، أو حتى لتبرير حرمانهم الراديكالي، وسجنهم وقتلهم».

وتضيف: «ولكن كيف يتم ذلك في المجال العام؛ حيث تم زرع الارتباك الدلالي حول ما هو عنيف وما هو غير عنيف؟ هل بقينا مع مجموعة مربكة من الآراء حول العنف واللاعنف، وأجبرنا على الاعتراف بالنسبية العامة؟ أو هل يمكننا أن ننشئ طريقة للتمييز بين الإسناد التكتيكي للعنف الذي يزيّف ويقلب اتجاهه، وأشكال العنف تلك، التي غالباً ما تكون هيكلية وممنهجة، التي غالباً ما تتهرب من التسمية المباشرة والقلق؟ إذا رغب المرء في تقديم حجة لصالح اللاعنف، فسيكون من الضروري فهم وتقييم الطرق التي يتم بها تمييز العنف وإسناده في مجال السلطة الاستطرادية والاجتماعية وسلطة الدولة؛ والطابع الخيالي للإسناد نفسه. علاوة على ذلك، سيتعين علينا القيام بنقد السياسات التي تبرر عنف الدولة من خلالها، وعلاقة تلك السياسات التبريرية بالجهود المبذولة للحفاظ على احتكارها للعنف. يعتمد ذلك الاحتكار على ممارسة التسمية».

«يتطلب الجدل لصالح أو ضد اللاعنف تأسيس الفاصل أو الفرق بين العنف واللاعنف، إذا استطعنا. ولكن لا توجد طريقة سريعة للتوصل إلى تمييز دلالي ثابت بين الاثنين عندما يتم استغلال هذا التمييز في كثير من الأحيان لأغراض إخفاء وتوسيع الأهداف والممارسات العنيفة. وبعبارة أخرى، لا يمكننا التسابق إلى الظاهرة نفسها دون المرور عبر المخططات المفاهيمية التي تتخلص من استخدام المصطلح في اتجاهات مختلفة، ودون تحليل لكيفية عمل هذه السلوكيات» بحسب بتلر.

أخلاقيات اللاعنف

جزء من مهمة هذا الكتاب، وفق بتلر، هو قبول صعوبة العثور على تعريف العنف وضمانه عندما يكون تحت تعريفات مفيدة تخدم المصالح السياسية وأحياناً عنف الدولة نفسها. تقول بتلر: «من وجهة نظري، فإن هذه الصعوبة لا تعني وجود نسبية فوضوية من شأنها أن تقوض مهمة التفكير النقدي من أجل فضح الاستخدام الفعال لهذا التمييز الزائف والضار. إذ يصل كل من العنف واللاعنف إلى ميادين الجدل الأخلاقي والتحليل السياسي الذي تم تفسيره في وقت سابق، والذي تم حله بواسطة استخدامات سابقة». وتضيف: «لا توجد طريقة لتجنب المطالبة بتفسير كل من العنف واللاعنف، وتقييم التمييز بينهما، إذا كنا نأمل في معارضة عنف الدولة والتأمل بعناية في تبرير التكتيكات العنيفة تجاه اليسار. بينما ندخل في الفلسفة الأخلاقية هنا، نجد أنفسنا في التيارات المتقاطعة؛ حيث تلتقي الفلسفة الأخلاقية والسياسية، مع عواقب تتناول عمل السياسة، ويسعى العالم إلى المساعدة في تحقيق هذا العمل. تبدأ إحدى الحجج الأكثر شعبية في اليسار للدفاع عن الاستخدام التكتيكي للعنف، بالادعاء بأن العديد من الناس يعيشون بالفعل في مجال القوة للعنف. لأن العنف يحدث بالفعل، وفق هذه الحجة، وليس هناك خيار حقيقي حول ما إذا كان يجب الدخول في العنف من خلال العمل: نحن في السابق داخل مجال العنف».

«النضال العنيف»

وتذكر الكاتبة: «بصرف النظر عن ادعاء اليسار العام والتقليدي حول ضرورة «النضال العنيف» لأغراض ثورية، هناك استراتيجيات تبريرية أكثر تحديداً في العمل مثل: يحدث العنف ضدنا، لذلك لدينا مبرر في اتخاذ إجراءات عنيفة ضد أولئك الذين بدؤوا العنف ضدنا. نفعل ذلك باسم حياتنا وحقنا في المثابرة في العالم. أما بالنسبة للادعاء بأن مقاومة العنف هي عنف مضاد، فربما ما زلنا نطرح مجموعة من الأسئلة: حتى لو كان العنف منتشراً طوال الوقت ووجدنا أنفسنا في مجال قوي للعنف، فهل نريد أن نقول ما إذا كان العنف مستمراً في الانتشار؟ إذا كان يعمم طوال الوقت، فهل من المحتم أن يتم تعميمه؟ ماذا يعني الطعن في حتمية تعميمه؟ قد تكون الحجة، «الآخرون يفعلون ذلك ضدنا، وكذلك يجب علينا أن نفعلها ضدهم، باسم الحفاظ على الذات».

لا يمكن أن تستند أخلاق اللاعنف إلى الفردية بحسب الكاتبة، ويجب أن تأخذ زمام المبادرة في شن نقد على الفردية كأساس للأخلاق والسياسة على حد سواء. يجب على أخلاق وسياسة اللاعنف أن تفسر بهذه الطريقة أننا نشترك في حياة بعضنا البعض، ونحن ملزمون بمجموعة من العلاقات التي يمكن أن تكون مدمرة بقدر ما يمكن أن تكون مستمرة وجميلة. إن العلاقات التي تربط وتعرّف، تتجاوز المواجهة البشرية الثنائية، وهذا هو السبب في أن اللاعنف لا يتعلق فقط بالعلاقات الإنسانية؛ بل بجميع العلاقات الحية والمتداخلة.

جريدة الخليج

This post is also available in: English (الإنجليزية)

TOP