في فقه الدين والسياسية

عنوان الكتاب في فقه الدين والسياسية
المؤلف د. سعد الدين العثماني
الناشر مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث
البلد بيروت
تاريخ النشر 204
عدد الصفحات 156

أشتري الكتاب حمل الكتاب

الوصف

في فقه الدين والسياسية

تشرفت بحضور مؤتمر “الجمع العام الرابع لحركة التوحيد والإصلاح المغربية” في الرباط، وذلك في شهر يوليو من عام 2010م, وكنت متشوقا لرؤية الدعاة والمثقفين والناشطين، خاصة أنني قرأت أن لهم نظرات تجديدية, وأنا مولع بالتجديد والتطوير الذي ينطلق من التراث ولا يتعلق به.
وكان المؤتمر حافلا بالشخصيات المثقفة ومن أبرزهم الدكتور: سعد الدين العثماني، الذي كنت أترقب حضوره لكي أستمع منه, وأطرح عليه بعض التساؤلات؛ فكانت عدة لقاءات أجملها التي كانت تحت الشجرة في حديقة المبنى الذي أقيم فيه المؤتمر، فهز لنا الدكتور العثماني من قريحته معاني مثمرة.
ومما لفت نظري تواضعه وبساطته.. وقلت في نفسي لو أن هذا الرجل في الخليج لما استطعنا أن نلتقي معه هذا اللقاء العفوي..
ولعل سكرتيره لا يسمح له بالجلوس على الأرض في الحديقة؛ ظناً منه أن الهيبة تسقط!.
ومما لفت انتباهي كذلك قدرته على التحدث والتعمق في الموضوع، وكأنه يقرأ من كتاب أو مدونة, خاصة في القضايا الفكرية والسياسية.
أعرف أن الدكتور سعد الدين العثماني حينما طلب مني أن أكتب مقدمة لكتابه الذي يعتبر مختصرا لآرائه في قضايا فكرية وسياسية ودعوية.. لا يرغب في أن أتحدث عنه.. لكن قراءة سيرته ومسيرته تقرب للقارئ تلك المعاني التي جُمعت في “فقه الدين والسياسة”.
فالعثماني الذي يرأس المجلس الوطني لحزب “العدالة والتنمية”, يعتبر من أبرز الزعماء السياسيين المغاربة, لما يمتلكه من تجربة سياسية ثرية، صاحبتها معرفة علمية عالية؛ فهو من سليل العلماء وابن عائلة (أمازيغية) عريقة، عُرف فيها العلم أكثر من ألف سنة, وهو من مدينة قريبة لأغادير ذات الطبيعة الهادئة التي تطبع بهدوئها, ثم إن أباه الشيخ “إمحمد العثماني” من العلماء العاملين المناضلين، فقد رأس مجموعات المقاومة ضد الاستعمار مع الحركة الوطنية, كما ساهم في تأسيس جمعية العلماء بمدينته “سوس”.
مَنْ خدمَ المحابر.. خدمتهُ المنابر إن الذي يطيل الجلوس في حلق العلم الشرعي وينحني ظهره للعلم.. يكتب ويدون ويمزج ذلك بعلم الواقع؛ هو أجدر لصعود المنابر السياسية، يفوه بالبشارة والنذارة, فالعثماني سعد الدين المولود في يناير1956م جمع بين التكوين العلمي والتكوين الشرعي، حيث درس الطب والعلوم الشرعية جنبا إلى جنب، فحصل على الإجازة في الشريعة الإسلامية سنة 1983م, ثم في عام 1987م حصل على شهادة في الدراسات العليا في الفقه وأصوله من دار الحديث الحسنية بالرباط, وعلى دبلوم التخصص في الطب النفسي سنة1994م من المركز الجامعي للطب النفسي، وبعدها بأربع سنوات نال دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية من الرباط بعنوان “تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية”.

والمتأمل في مسيرة العثماني يدرك أن الفقه الشرعي الموزون الممتزج بدروس تجريبية مقتَبسة كانت تُحركه للمساهمة في تأسيس عمل دعوي متميز بالمغرب؛ فهو أحد مؤسسي الحركة الإسلامية المعاصرة التي أصبحت صيغتها الحالية باسم “حركة التوحيد والإصلاح”، وهو أحد منظري فصل الدعوي عن السياسي، وتطبيقه على أرض الواقع. وهو مشارك ومؤصل من بدايات العمل في السبعينيات، حينما ظهرت عدة جمعيات ناشطة في المغرب، كان أكثرها حيوية ونشاطا “الشبيبة الإسلامية” التي أسسها عبد الكريم مطيع, وسرعان ما وجدت هذه الحركة نفسها أمام فراغ قيادي بعد خروج مؤسسها من المغرب، إثر حادثة اغتيال الزعيم الاشتراكي عمر بن جلون, وسعت لجنة سداسية من الشباب إلى سد الفراغ عبثا؛ إذ بعد مرور حوالي عامين فوجئت القواعد بخلافات عاصفة بين القيادة السداسية والداخل والمؤسس في الخارج, أما العثماني فكان ضمن مجموعة قادت العملية التأسيسية للجماعة الإسلامية التي أصبحت تسمى بعد ذلك “حركة الإصلاح والتجديد”, وأنجزت الجماعة الجديدة عملية نقد ذاتي ومراجعة شاملة لمنطلقات العمل الإسلامي ووسائله وتصوراته وغاياته ومجالاته، أفضت إلى تغيير كبير في توجهاتها في العمل الإسلامي، واستجابة لبعض الانتقادات الموجهة إلى الاسم المختار سابقا وهو “الجماعة الإسلامية”، وما قد يفهم منه أنه إقصاء أو نفي لإسلامية الآخرين؛ فتخلت الحركة عن اسم “الجماعة الإسلامية” سنة 1992م, واختارت اسما جديدا هو “حركة الإصلاح والتجديد”. وفي سابقة في الحقل الإسلامي غيرت الحركة عن طريق الانتخاب قيادتها مرتين؛ مما جعل بعض المعلقين المهتمين بشأن الحركة الإسلامية يعتبر الأمر درسا وجب أن تقتدي به الأحزاب السياسية. العثماني تأثر منذ شبابه في السبعينيات بكتابات حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله, لكنه لم يقف عندها؛ بل انطلق منها وراجع تلك الأفكار، وضمها مع أفكار حسن الترابي الذي تأثر به جدا؛ حتى إنه كان يصور كتبه ويوزعها على قيادات العمل الإسلامي في المغرب في أيام تأسيس العمل الإسلامي المغربي .
تأصيل الفقه الدعوي والسياسي المغربي لقد كان الدكتور سعد الدين العثماني سباقا إلى هذا النوع من التأصيل، فكانت كتاباته تنصب حول مشكلات الحركة الإسلامية في إطارها المنهجي والأصولي. وكانت موضوعاته تثير الخلافات والآراء في أوساط الإسلاميين، وذلك لطرحه التأصيلي الحججي في عدة قضايا، مثل: الولاء والبراء، وفقه تغيير المنكر، وغيرهما من القضايا التي كانت تشغل بال الإسلاميين في ذلك الوقت. ولم تكن أطروحاته منعزلة عن الواقع؛ فقد كتب عن أهمية المشاركة السياسية، إذ تعتبر في ذلك الوقت معضلة كبيرة في فكر الحركة الإسلامية المغربية؛ فاستطاع العثماني التأصيل لأهمية المشاركة السياسية، واختار ابن تيمية الذي يعد رمزا مقبولا في الصف الإسلامي، سواء تعلق الأمر بالجانب السلفي منه أو الجانب الحركي, ولعل النظر في تراث ابن تيمية والتأسيس لفكرة المشاركة السياسية من خلال مبحث “جواز تولي الولايات” في الأوضاع الفاسدة، يشكل مدخلا أساسيا نحو إقناع الحركة الإسلامية بشتى أطيافها بأهمية المشاركة السياسية بالنظر إلى مقاصدها وفوائدها العملية، وهو ما قصد الدكتور سعد الدين العثماني بلوغه من خلال إيراده لشواهد من فتاوى ابن تيمية وتحقيقاته. نظرية التمييز لا الفصل هذه النظرية ليست بالجديدة كما يقول العثماني، لكن دوره إحياء هذه النظرية التي يرى فيها الدكتور سعد الدين العثماني “أن العلاقة بين الدين والسياسة ليست علاقة فصل؛ لأن الدين حاضر في السياسة بشكل من الأشكال في جميع الثقافات والحضارات والمجتمعات، بما فيها المجتمعات الغربية اليوم، ولكنها في الوقت نفسه ليست علاقة وصل تام؛ لأن الفعل السياسي هو دنيوي في الإسلام بامتياز، فهو بشري اجتهادي تقديري، رغم كونه من حيث العموم يخضع لمبادئ الدين وأحكامه”.

وهذه النظرية قد تم تطبيقها فعلا في المغرب؛ حيث التمييز بين العمل الدعوي والعمل السياسي. فحركة التوحيد والإصلاح هي حركة للدعوة والتربية وغيرها من الأعمال النضالية والمجتمعية، غير أنهم لا يمارسون العمل السياسي, ويسند الأمر إلى هيئة مختلفة هي حزب العدالة والتنمية، ذات استقلالية تامة عن الحركة، ولكل واحدة من الهيئتين مسئولوها وبرامجها ومؤسساتها المستقلة عن المؤسسات الأخرى, ولعلهم هم الوحيدون الذي يمارسون هذا التمييز كما يصفه العثماني. وكذلك في الشأن العام والسياسي يرى العثماني “أن (الدين) هو ما كان مطلوبا (لمصالح الآخرة), أي ما هو مطلق من تعاليم وأحكام في الدين، بينما أحكام السياسة تدخل ضمن ما هو مطلوب (لمصالح الدنيا)، فهي ليست دينا بالمعنى الأول، أي ليست وحيا ولا أحكاما مطلقة، لكنها دين بالمعنى الثاني، أي خاضعة لرؤية الدين العامة للإنسان وللمجتمع، وملتزمة بمبادئه وأخلاقه وإطاره العام. إن مقام رئاسة الدولة (أو الإمامة) إذن مقام دنيوي، يسمي شهاب الدين القرافي ما يصدر عنه من سياسات وإجراءات وقرارات (تصرفات بالإمامة)، وتكون فيما يقع فيه التنازع لمصالح الدنيا احترازا من مسائل الاجتهاد في العبادات ونحوها، فإن التنازع فيها ليس لمصالح الدنيا بل لمصالح الآخرة, وبالتالي فإن الحكم (الديني المحض) يصدر عن مقام الإفتاء، بينما (القرار السياسي) يصدر عن الجهة المؤهلة، من رئاسة للدولة أو مستويات المسئولية الأخرى فيها”.

إن هذا الفهم الذي وصل له العثماني، وإن كان يثير الخلاف داخل الحقل الإسلامي؛ فإنه يؤسس إلى فهم مرن.. يستوعب العلاقة الحركية والمتجددة بين الدين والسياسة، ويؤدي إلى الوعي بالتمايز بينهما، دون أن يتطور ذلك إلى تنابذ وتنافر، فهدف العثماني ورفاقه- في تطبيق هذه النظرية من خلال حزب “العدالة والتنمية” المغربي- تأسيس تجربة حضارية جديدة للمجتمعات الإسلامية.

ويمكن أن ينتج عن هذا النمط من العلاقة- التي قد تختلف من مجتمع مسلم لآخر- إعادة تأسيس العلاقة بين الدعوي والسياسي داخل الحركة الإسلامية؛ بما يزيد من عطائها الفكري والحضاري وكسبها السياسي والاجتماعي، ثراء وتجذرا، انطلاقاً من تجربة حيّة هي تجربة حزب “العدالة والتنمية” المغربي.

في فقه الدين والسياسية

للزيد من الكتب.. زورا منصة الكتب العالمية

TOP