الوصف
كلمة الناشر:
كتاب الحكمة العربية , محاولة للانطلاق بالتراث نحو العالمية , كما يقول الكاتب في مقدّمته , معترضاً على أنّ هذا التراث مغيّب عن الكتابات التي تتناول حكم الإنسانية و آراءها حول مختلف القضايا بينما يحضر التراث الهندي و الصيني و حتى التلمودي .
و هو في محاولته هذه لا يتكلّف أن يضع التراث في قوالب التصنيفات الحداثية , بحيث تجد فيه الشيوعية و الليبرالية و التفكيكية , كما يفعل الكثيرون من المصابين بعقدة إرضاء الغرب , و إنّما يقدّم لك مقتبساته و مختاراته في التراث في مواضيع يراها همّاً عالميّاً تحتويه الحكمة العربية ( القراءة , الكتابة , الترجمة , الحيرة , الاغتراب , الإنسان , الحواس , الصديق ) و حتى فيما يكتبه هو بين الاقتباسات يتعمّد أن يكتب بلغةٍ تراثيّة .
يُشهد للمؤلّف الذكاء في نظم اقتباساته و مختاراته المختلفة في موضوع واحد و استخراج أفكارها و فلسفتها الكامنة و المفاضلة بينها بناءً على ذلك , نجد هذا في فصل الإنسان خاصّة , و في فصل الحيرة , حيث يستخلص من الرؤى المختلف نظريّات فلسفية تخرج عن التصوّر الذي يُقدّم به كلام القدماء باستسهال كانّه طرفٌ كلّه ,
يُسجّل له هذا الجهد الواضح في استخلاص حالات و قصص متشابهة من التراث و نظمها في فلسفة واحد , كحديثه عن حالات القراءة أو من أحرقوا كتبهم , أو عمّن اعتبروا الإنسان هو الفاعلية لا الجوهر .
و لعلّ ممّا يأخذه البعض عليه , تركيزه على أسماء و تيّارات بعينها على طول الكتاب , مثل التوحيدي و ابن مسكويه و الصوفية بشكل عامّ , و هو يعلن ذلك منذ البداية , أنّ همّه تقديم ما لم تعتده الكتب و تستهلكه الأبحاث من الأسماء مثل الفارابي و ابن سينا و الغزالي و المتنيّي , و هل يُعاب على أحد تحيّزه إلى كتّاب معيّنين … من منّا بلا تحيّز
قد يبالغ الكاتب احياناً في البناء على فكرةٍ بسيطة -حقّاً- في كلام أحد أبناء هذه المكتبة و يبني عليها فكرةً أعمق أو لنقل مغايرةً للقصد البسيط الذي أراده كاتبها الأوّل … هذا أحياناً فقط , لأنّ معظم من يستشهد بهم كانوا عمالقةً حقّاً ربما كانوا ليستسهلوا مناقشات كتاب اليوم لو قرؤوها … منذ يزعم أنّ التوحيدي كان أعرابيّا بسيطاً ؟!
يكفي الكتاب أنّه يجدّد الصلة بهذه المكتبة , و يؤكّد على استمراريّتنا لها , في وجه الانقطاع الذي يهيمن علينا و على تصوّراتنا عن كلّ ذاك النهر الذي سبقنا قروناً حتى قدّمنا كبعض ماءِ الحياة , و ليس بالضرورة أنّ التصوّر الذي يقطعنا عن هذا التراث هو التصوّر التغريبي وحده , فالتصوّر السلفي للتراث يقطعنا عنه اكثر من خلال تغييب الكثير من التنوّع و الثراء و جانب الحضارة و التفاعل الإنسانيّ فيه , و هو ما نعاني منه كثيراً الآن , في هيمنة هذا التصوير السطحي و المختزل لحياة القدماء كقومٍ فكرُهم يدور بين كتب الفقه و ساحات المعارك فقط , ويجعل الصورة الاستشراقية لهؤلاء العرب البلهاء غير القادرين على التفكّر و البحث و التكلّم بعمق قادرةً على التسلّل بسهولة , ما دمنا حيّدنا قبل هذا الجانب منه و جفّفنا بأنفسنا .
هذا الكتاب رحلةٌ ممتعة و غنيّة بين ثنايا هذه الحكمة المنسيّة العظيمة و منذا يرتوي من هذا الشهد ؟!…. و هذا يكفيه ليكون هديّة مناسبةً حين تفكّر بالأحبّة